المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

70

يجلسون بحضور الاُستاذ في بيته، ويصغون إلى دُرر الكلام التي ينثرها عليهم، كانوا ينسون كلّ شيء، غارقين في الالتذاذ بصحبته بما يفوق الوصف، كأنّهم في دار الخلد.

أمّا الاُستاذ فكان يغمر اُولئك الصفوة بحنانه ورأفته، وعواطفه النبيلة، وحسّه المرهف العظيم، لم يعرف نظيره من الآباء والاُمّهات تجاه أولادهم.

وأكتفي هنا بتسجيل مثال واحد يجسّد لك مدى عواطفه الشفّافة الرقيقة تجاه تلاميذه البررة، ألا وهي الرسالة الصوتيّة التي أرسلها إلى مَنْ هاجر من طلّابه إلى إيران ـ وقتئذ ـ فراراً من البعث الكافر، وإليكم نصّ الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

«السلام عليكم أيّها الأحبّة من أبيكم البعيد عنكم بجسمه، القريب منكم بقلبه، الذي يعيشكم في أعماق نفسه، وفي كلّ ذكرياته؛ لأنّكم تعبير حىّ حاضر عن تأريخه وماضيه، وامتداد نابض بواقعه وحاضره، وأمل كبير لمستقبل هذه الاُمّة.

يا صفوة الأحبّة نبلاً ووفاءً وإخلاصاً وحبّاً، يا من افتقدتهم، أو افتقدت قربهم ـ على الأصحّ ـ وأنا أحوج ما أكون إليهم، وأشدّ ما أكون طلباً لعونهم. يا من بنيتهم ذرّة فذرّة، وواكبت نموّهم الطاهر قطرة فقطرة، وعشت معهم السرّاء والضرّاء، واليسر والبلاء، ولم ينفصلوا عنّي في أيّ لحظة من لحظات الليل العبوس، أو النهار المشرق، يا من أجدهم رغم ابتعادهم، وأجدهم في كلّ ما حولي رغم خلوّ الديار منهم، وكيف لا أجدكم يا أولادي معي وكلّ شيء في نفسي أو خارج نفسي يذكّر بكم، ويشير إليكم، وينبّه إلى أيّامكم؟! وهل هناك أقوى دلالةً وأعمق إشارة في هذا المجال من الفراغ الذي خلّفتموه في هذه الرحاب، في هذه الديار؟! هذا الفراغ الذي يصرخ بأسمائكم باستمرار؛ لأنّه فراغ رهيب عاطفيّاً ومنطقيّاً. إنّ بصمات أصابعكم على كلّ حياتي أينما التفتُ، أينما توجّهت وجدت لهذا أو ذاك منكم، فأين الطيّبون البررة؟ وأين اُولئك الذين كان هذا الإنسان الذي رعاهم يجد في قربه منهم معنىً من معاني حياته، وامتداداً من امتدادات أمله؟ أين الأوّلون الذين سبقوا إخوانهم بالهجرة قبل سنين؟ وأين الباقون واللّاحقون الذين تتابعوا