المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

486

عدم الوجوب أيضاً، فيبقى احتمال الوجوب منجّزاً مادام لا يمكن التأمين، لا بالإطلاق ولا بالبراءة.

أمّا الأوّل: فلعدم إمكان أخذ هذا القيد في الخطاب كقصد القربة؛ لأنّه ممّا لا يتأتّى إلّا من قبل الأمر ومترتّب عليه، وما لا يمكن أخذه في الخطاب لا يتمّ الإطلاق بلحاظه بحسب عالم الإثبات.

وأمّا الثاني: فلأنّ هذا الوجوب عقلىّ، وليس وجوباً شرعيّاً؛ لعدم إمكانيّة أخذه في متعلّق الخطاب. والبراءة إنّما ترفع الحكم الشرعىّ.

والواقع: أنّ وجوب تفصيليّة الامتثال أو ما شابه ذلك كقصد القربة وجوب شرعىّ حتّى بناءً على عدم إمكان أخذه في متعلّق الخطاب. فدخل الشيء في غرض الشارع عبارة عن الوجوب الشرعىّ، وأمّا العقل فهو يحكم بوجوب امتثال ما هو دخيل في غرض المولى ولا يرضى بفوته. وهذا غير كون متعلّق غرض المولى واجباً عقليّاً.

وشبهة عدم جريان البراءة نشأت عن التصوير المتعارف لحقيقة الحكم الظاهرىّ، أمّا بعد معرفة حقيقة الحكم الظاهرىّ ورجوعه إلى مدى اهتمام وعدم اهتمام المولى بغرضه ـ كما مرّت الإشارة إلى ذلك، وسيأتي تفصيلاً في بحث الجمع بين الحكم الظاهرىّ والواقعىّ ـ فيتّضح جليّاً ما ذكرناه هنا: من إمكانيّة الرفع الظاهرىّ في المقام بالبراءة.

على أنّ عدم تماميّة الإطلاق في المقام غير مقبول حتّى إذا تمّ ذلك في قصد القربة؛ وذلك لأنّ ما نسبه المحقّق النائينىّ(رحمه الله) ـ على ما ببالي ـ إلى الميرزا الشيرازىّ الكبير كوجه في مقام تصوير تقييد الخطاب في باب قصد القربة، يتمّ في المقام، وإن لم يكن تامّاً فى باب قصد القربة.

وتوضيح ذلك: أنّ المنسوب إلى الميرزا الشيرازىّ هو أنّ قصد القربة ـ و إن كان مترتّباً على الأمر، ولايتأتّى إلّا من قبله، فلا يمكن تقييد الأمر به ـ يمكن تقييده بمانعيّة الدواعي(1) الاُخرى. أقول: هذا الكلام لم يكن تامّاً في قصد القربة، لكنّه يتمّ في المقام.


(1) ما جاء في أجود التقريرات ( ج 1 ص 111 ) نقلاً عن المحقّق النائينيّ(رحمه الله) هو أنّه حكي عن بعض تقريرات العلّامة الشيرازيّ(قدس سره): أنّ نفس الداعي القربيّ لم يمكن أخذه في المتعلّق، إلّا أنّه يمكن أخذ عنوان ملازم له فيه. واُستاذنا الشهيد(رحمه الله) ذكر في بحث التعبّديّة والتوصّليّة تصويراً لهذا العنوان الملازم، وهو: افتراض أن يكون هذا العنوان عبارة عن عدم كون الفعل بداع نفسانيّ، أي: سائر الدواعي غير قصد الامتثال.