المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

483

والانبعاث في الامتثال التفصيلىّ يكون عن نفس الأمر، إذن فهو الأمر الحسن عند التمكّن منه، ولاتصل النوبة إلى الانبعاث من احتمال الأمر، إلّا لدى العجز عن الانبعاث من أصل الأمر.

أقول: إنّ تأثير تأخّر احتمال الأمر عن نفس الأمر رتبة في اختصاص الحسن بالانبعاث من نفس الأمر مع الإمكان دعوى لا برهان عليها... نعم، قد يدّعي المحقّق النائينىّ(رحمه الله)وجدانيّتها، وهي ليست إلّا كدعوى حكم العقل والوجدان بعدم حسن الامتثال الإجمالىّ مع التمكّن من الامتثال التفصيلىّ. وليس في ضمّ هذه الدعوى إلى دعوى عدم حسن الامتثال الإجمالىّ مع التمكّن من التفصيلىّ أثر في المقام.

ثمّ إنّنا لم نعرف لماذا يفترض أنّ الانبعاث في الامتثال التفصيلىّ انبعاث من نفس الأمر الذي هو مقدّم رتبة على احتماله، في حين أنّ الأمر بوجوده الواقعىّ لا يكون محرّكاً، وإنّما المحرّك هو ما في نفس المكلّف من العلم بالأمر أو احتماله، والعلم بالأمر حاله حال احتمال الأمر، ولا يتوهّم أيّ تقدّم رتبىّ له على الاحتمال.

وعلى أىّ حال، فما مضى من التقريب كان هو المستفاد من صدر كلام المحقّق النائينىّ(رحمه الله)، ولكن جاء في ذيل كلامه ما يناقض هذا المعنى حيث ذكر: أنّه لو تنزّلنا من القطع بعدم حسن الامتثال الإجمالىّ عند التمكّن من الامتثال التفصيلىّ، وشككنا في ذلك، دخل المورد في مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير، والأصل في تلك المسألة يقتضي التعيين. وهذا الذيل كما ترى يناسب افتراض كون الامتثال التفصيلىّ ـ على تقدير وجوبه ـ واجباً في نفسه، لا محقّقاً لعنوان آخر واجب، وهو قصد الطاعة بشكل حسن أو حسن الانبعاث، وإلّا فلا علاقة لذلك ببحث البراءة والاشتغال في دوران الأمر بين التعيين والتخيير، بل يدخل في مسألة القطع بشغل الذمّة والشكّ في الفراغ، والاشتغال اليقينىّ يستدعي الفراغ اليقينىّ(1).

وعلى أىّ حال، فلو سلّمنا دخول المسألة في باب البراءة والاشتغال، فبغضّ النظر عن النقاش في مبنى أصالة التعيين، وأنّ الصحيح عند الدوران بين التعيين والتخيير هو أصالة


(1) إرجاع المقام إلى باب الدوران بين التعيين والتخيير إنّما ورد في تقرير الكاظمىّ(رحمه الله). أمّا الوارد في أجود التقريرات، فهو أنّه مع فرض الشكّ ليس المورد مورداً للبراءة؛ لأنّ البراءة لا تجري في الاُمور المشكوك اعتبارها في الطاعة العقليّة. ولعلّه يقصد بذلك مسألة الشكّ في حصول الامتثال والفراغ.