المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

472

الثالث: أن يقال: إنّهما متعارضان بالعموم من وجه، ومتساقطان في مادّة التعارض، وهذا هو الحقّ في مقام العلاج(1)؛ وذلك لأنّه كما أنّ أخبار حجّيّة العقل أخصّ من أخبار الردع عن الرأي؛ لعدم شمولها للحكم العقليّ الظنّىّ، كذلك أخبار الردع عن الرأي أخصّ من ناحية اُخرى من أخبار حجّيّة العقل؛ لأنّها لا تشمل الأحكام البديهيّة للعقل، ولا القريبة من الموادّ البديهيّة التي لا تحتاج إلى مزيد تروّ وتأمّل؛ وذلك لعدم صدق عنوان الرأي الموجود في الأخبار عليها قطعاً؛ لأنّه ظاهر فيما يحتاج إلى مزيد تروّ وتفكّر(2).

وقد ظهر بما ذكرناه: أنّ النسبة بين الطائفتين عموم من وجه، سواء سلّمنا أنّ الأخبار الرادعة عن الرأي لا تشمل الأحكام العقليّة التي هي في المرتبة المتقدّمة على الأحكام الشرعيّة، بخلاف أخبار حجّيّة العقل، أو قلنا بعكس ذلك، أو قلنا بشمولهما معاً لذلك، أو قلنا بعدم شمولهما معاً لذلك؛ فإنّه يكفي في إثبات كون النسبة بينهما عموماً من وجه ما ذكرناه: من عدم شمول أخبار الردع عن الرأي للعقل البديهىّ وما يشبهه. وإذا كانت النسبة بينهما عموماً من وجه سقطتا في مادّة الاجتماع، وبالتالي لا يبقى دليل على الردع عن الأدلّة العقليّة.

هذا كلّه بعد تسليم صحّة سند الطائفتين، إلّا أنّ ما رأيناه من أخبار حجّيّة العقل هو الأخبار التي جمعها المحدّث الكلينىّ(رحمه الله) في الكافي، في باب العقل والجهل، وهي بين ما لا يدلّ على مطلوبنا، وما لا يكون صحيحاً سنداً.

فالأولى في مقام دفع الأخبار الرادعة عن الرأي ـ بعد فرض تسليم شمولها للرأي القطعىّ ـ هو إيقاع المعارضة بينها وبين الطائفة الآتية:

الطائفة الثانية: ما دلّت على الحثّ على اتّباع العلم، وبيانه للناس(3)، بنحو يدلّ على أصل الترخيص في تحصيله، لا على خصوص حجّيّته بعد حصوله. والنسبة بينها وبين ما دلّت على الردع عن الرأي ـ بعد تسليم شمولها للرأي القطعىّ ـ هي العموم من وجه؛ إذ


(1) يعني بعد ما سلّم افتراضاً من التعارض، وشمول الرأي للرأي القطعىّ.

(2) كأنّ هذا الكلام مأخوذ من اشتقاق الرأي من مادّة التروّي، ولا يبعد انصراف مثل قوله «دين اللَّه لا يصاب بالعقول» أيضاً إلى ما يحتاج إلى تعقّل وتروّ، على أنّ ذلك ليس ردعاً عن سلوك طريق العقل، وإنّما هو ردع عمّا يصيبه العقل. وقد عرفت عدم إمكانيّة الردع عن القطع العقلىّ، فلابدّ من حمله على مثل القياس والاستحسان.

(3) راجع اُصول الكافي ج 1، كتاب فضل العلم، الباب 1 ـ 4.