المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

471

ممّا يشهد على أنّه كان مصطلحاً خاصّاً بينهم.

ومنها: ورود كثير من تلك الأخبار في مقام الردّ على أصحاب الرأي بذاك المعنى، كأبي حنيفة وابن شبرمة وغيرهما.

ومنها: ما فيها من التعبير تارة بالرأي، واُخرى بالقول بغير علم، ممّا يوحي إلى كون المراد منهما شيئاً واحداً.

وثانياً: أنّ هذه الأخبار لو تمّت دلالتها، فهي معارضة لطائفتين:

الطائفة الاُولى: ما دلّت على حجّيّة العقل، والحثّ على اتّباعه، ومع تعارضهما لابدّ من أحد اُمور ثلاثة:

الأوّل: أن يجمع بينهما بانقلاب النسبة، بأن يقال: إنّ العقل والرأي متساويان، ويشملان العقل والرأي الظنّيّين والقطعيّين، ولكن العقل الظنّىّ من القياس والاستحسان قد ثبت عدم حجّيّته بأخبار كثيرة، ممّا تقيّد روايات حجّيّة العقل واتّباعه، فتصبح روايات حجّيّة العقل واتّباعه بعد التقييد أخصّ من روايات الردع عن العمل بالرأي.

ويرد عليه بعد منع كبرى الجمع بانقلاب النسبة ـ كما يأتي بيانه في محلّه إن شاء الله ـ: منع ثبوت صغراها فيما نحن فيه كما سيظهر لك قريباً.

الثاني: أن يقال: إنّ النسبة بينهما ابتداءً عموم مطلق؛ لأنّ روايات حجّيّة العقل لم ترد لتشريع حكم زائد على أحكام العقل، والعقل بنفسه مستقلّ بالحكم بأصالة عدم حجّيّة العقل الظنّىّ ما لم يشرّع الشارع الحكم بحجّيّته، وأنّ الشكّ في الحجّيّة مساوق للقطع بعدمها(1). فإذا كانت روايات حجّيّة العقل لا تدلّ على تشريع ذلك، فلا محالة لا تدلّ على حجّيّة العقل الظنّىّ.

وبتعبير آخر: أنّ هذه الروايات لم تدلّ إلّا على إمضاء العقل، ولا معنىً لإمضائه إلّا الاعتراف بمنجزيّة ما يراه منجّزاً ومعذّريّة ما يراه معذّراً، والمفروض أنّه لا يرى الظنّ في ذاته منجّزاً أو معذّراً. فإذا كانت روايات حجّيّة العقل بهذا البيان مختصّة بالأحكام القطعيّة للعقل، فهي أخصّ من روايات الردع عن الرأي، فتقدّم عليها بالأخصّيّة.

ويرد عليه: ما سيظهر لك من كون النسبة بينهما عموماً من وجه لا مطلقاً.


(1) قد يقال: إنّه بناءً على إنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان تكون الحجّيّة بمعنى التنجيز ثابتة؛ لكن هذا لا يضرّ بأخصّيّة روايات حجّيّة العقل؛ إذ يكفي في ذلك عدم حجّيّة الظنّ في التعذير، سنخ أنّ الحجّيّة بمعنى التعذير ثابتة للشكّ والظنّ بناءً على القول بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولكن الحجّيّة بمعنى التنجيز غير ثابتة.