المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

469

وأمّا الثاني: فلأنّ الحكم الطريقىّ ينشأ ـ كما سيأتي بيانه إن شاء اللَّه تعالى في بحث الجمع بين الحكم الظاهرىّ والواقعىّ ـ بملاك التحفّظ على مبادئ حكم نفسىّ، وبعد فرض قطع العبد بحكم في المقام: من إباحة أو تحريم أو غير ذلك، فهو لا محالة قاطع بعدم وجود مبادئ حكم آخر في هذا الشيء، فلا يمكنه التصديق بالحكم الطريقىّ الذي يأتي لهدف التحفّظ على مبادئ الأحكام النفسيّة. وهذا بخلاف فرض الشكّ الذي نجمع فيه بين الحكم الواقعىّ والظاهرىّ؛ إذ هناك لا يعلم العبد بعدم ثبوت المبادئ في الشيء الفلاني، ويحتمل ثبوت المبادئ والحكم النفسىّ فيه، وعلى فرض ثبوته فيه يكون منجّزاً بالحكم الطريقىّ، واحتمال التكليف المنجّز منجّز. أمّا في المقام فلا يحتمل تكليفاً بالنسبة إلى هذا الشيء ينجّز على فرض ثبوته بالحكم الطريقىّ؛ كي يكون احتمال التكليف المنجّز منجّزاً له(1).

وهذا الجواب يمتاز من الجواب الأوّل بأنّه لا يختصّ بفرض تنجيزيّة حقّ المولويّة(2).

هذا. تبقى هنا صورة واحدة يمكن للمولى فيها الترخيص في مخالفة القطع بناءً على تعليقيّة الحقّ، وهي: فرض تعلّق غرض المولى بصدور الامتثال عن العبد بملاك حبّه للمولى ـ مثلاً ـ فحسب، لا بملاك التنجيز العقلىّ، فيرفع عنه المولويّة كي يكون عمل العبد لو عمله خالصاً لحبّه مثلاً، دون دخل التنجيز في الحساب. لكن هذا الفرض لا واقع له فيما نحن فيه.

وأمّا البحث الإثباتىّ: فنحن بحاجة إليه بالنسبة إلى فرض الردع عن الخوض في الأدلّة العقليّة. أمّا الردع عن حجّيّة القطع، فقد عرفت عدم إمكانه.

وما يمكن الاستدلال به على ذلك من الروايات طوائف خمس:


(1) يكفي لمعقوليّة وصول الحكم الطريقىّ برفع حقّ المولويّة: أن يحتمل هذا العبد خطأ بعض قطوعه في الواقع، ممّا أوجب اضطرار المولى إلى اتّخاذ احتياط في تمام قطوعه برفع حقّ المولويّة عنه. والقاطع كان لا يعقل أن يحتمل خطأ قطعه حين القطع، لكن احتماله لخطأ بعض قطوعه على الإجمال معقول. إذن فبناءً على تعليقيّة حقّ المولويّة لا يتمّ هذا الوجه، وإنّما يتمّ بناءً على تنجيزيّته، ويرجع بروحه إلى الوجه الأوّل.

(2) عرفت أنّه يختصّ بذلك، ويكون مرجع الوجهين بعد فرض الاختصاص بذلك إلى وجه واحد، وكلّ من البيانين مكمّل للبيان الآخر.