المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

468

الأمارات بالعرض ورجوعها إلى ما بالذات، حتّى أدّى ذلك عند بعضهم إلى القول بجعل العلم والطريقيّة، والالتزام بكفاية صرف اعتبار العلم والطريقيّة في الحجّيّة، وما إلى ذلك ممّا أدّى إليه هذا المبنى.

وقد أوضحنا في أوّل مباحث القطع: أنّ ذاتيّة حجّيّة القطع ـ بالمعنى الذي تتفرّع عليه هذه الاُمور ـ ممّا لا أساس له، ويجب البدء في الحساب من مولويّة المولى، فلو أنكر أحد ـ والعياذ بالله ـ مولويّته رأساً، لم يبق موضوع لبحث حجّيّة القطع بحكمه، ولو سلّمت له المولويّة بمعنى حقّ الطاعة والتعظيم الخاصّ على العباد، فلابدّ أن ينظر في مقدار سعة هذا الحقّ وضيقه. فإن حكم العقل العملىّ باختصاصه بالأحكام المقطوعة، تمّ قبح العقاب عند الشكّ، وإن حكم بسعة دائرة الحقّ لفرض الشكّ، لم يبق أساس لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وأمّا مسألة إمكان ردع الشارع عن حجّيّة القطع، فيمكن دفع هذه الدعوى بوجهين:

الوجه الأوّل: أن يقال: إنّ حقّ المولويّة تنجيزىّ، وليس معلّقاً على عدم إسقاط المولى له، وحينئذ لا معنىً للردع عن حجّيّة القطع؛ إذ مع فعليّة المولويّة لابدّ من الطاعة، ورفعها غير ممكن لتنجيزيّتها. فالترخيص في مخالفة القطع قبيح، وصدور القبيح عن المولى مستحيل.

إلّا أنّ كون حقّ المولويّة تنجيزيّاً أو تعليقيّاً لا يمكن البرهنة عليه.

فلو سلّم الأخبارىّ تنجيزيّة حقّ المولويّة، كان هذا جواباً كافياً في مقام الاحتجاج معه، أمّا لو ادّعى تعليقيّته، فهذا الجواب إنّما هو دعوى في مقابل دعوى، يدّعي صاحب كلّ من الدعويين وجدانيّتها.

الوجه الثاني: أنّ يقال: إنّ ترخيص الشارع ـ بعد تسليم كون حقّ المولويّة تعليقيّاً ـ إمّا أن يكون بحكم نفسىّ، أو يكون بحكم طريقىّ، وكلاهما مستحيل:

أمّا الأوّل: فلأنّ الحكم النفسىّ ينشأ عن مبادئ الحكم في نفس المتعلّق، والمفروض أنّ هذا الشخص يقطع بحكم آخر خلاف هذا الحكم، فيقطع بمبادئ اُخرى في المتعلّق، ولا يمكنه التصديق بكلا الحكمين؛ للتضادّ بين الأحكام في المبادئ، فيلزم اجتماع الضدّين في اعتقاد المكلّف فقط، أو فيه وفي الواقع.