المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

463


تدخل تلك التضحيات والإيثارات في دائرة اللذّات الشخصيّة وحبّ الذات.

أقول: إن كان المقصود بهذا الكلام كون العلّة الغائيّة لأفعال الإنسان ـ حتّى التضحيات والإيثارات ـ هي اللذّة الشخصيّة، والتخلّص الشخصىّ من الألم، فهذا خلاف الواقع؛ فإنّ اللذّة والألم الروحيّين إنّما ينشآن عن الوصول إلى المحبوب أو فقده، أو لقاء المبغوض أو فقده، فهناك حبّ وبغض متعلّق بشيء في المرتبة المتقدّمة على اللذّة والألم، أي: إنّ هناك ما يكون مطلوباً للإنسان، ويكون غاية يصبو إليها في المرتبة المتقدّمة على اللذّة والألم، والحبّ والبغض غير اللذّة والألم؛ ولذا يكونان فعليّين قبل اعتقاد فعليّة المحبوب والمبغوض، في حين أنّ اللذّة والألم يصبحان فعليّين باعتقاد فعليّة المحبوب والمبغوض.

والحاصل: أنّ العلّة الغائيّة لمن يحبّ الإحسان إلى اليتيم هي ارتياح اليتيم، لا ارتياحه هو فحسب، وان كان يترتّب على ذلك ارتياحه هو. وهذا هو السرّ فيما يحكم به العقل العملىّ: من أنّ من يحسن إلى شخص حبّاً له يكون مديناً له بدرجة غير ثابتة فيما لو أحبّ إحسانه، ولكنّه لم يقدر خارجاً على إحسانه، فلو كان صدور الإحسان عنه لأجل التذاذه هو فحسب دون التذاذ محبوبة، كان حاله حال من أحبّ ذاك المحبوب والإحسان إليه، ولكنّه لم يتمكّن من ذلك؛ فإنّ من تمكّن من ذلك وفعل إنّما فعل لأجل نفسه، فلا موجب للامتنان منه إلّا بنكتة أنّه سنخ إنسان يلتذّ براحة ذاك الشخص، وهذا أمر مشترك على حدّ سواء بين من قدر على الإحسان ومن عجز عنه.

وإن كان المقصود بهذا الكلام حصر العلّة الفاعليّة لتحريك الإنسان في اللذّة والألم دون العلّة الغائيّة، كما فسّر هو (رضوان الله عليه) كلامه بذلك حينما أشكلت عليه بما سبق أو ببعض ما سبق، فذكر: أنّه ليس المقصود أنّ الإنسان حينما يقوم بمثل عمليّات الإيثار يقوم بها لغاية التذاذه هو، بل غايته نفس النتائج التي يلتذّ بها، وإنّما المقصود: أنّ التذاذه بتلك النتائج هو العلّة الفاعليّة المؤثّرة في اندفاعه نحوها، ولولا التذاذه بها أو تألّمه من فقدها، لما تحرّك نحوها.

أقول: إن كان المقصود بهذا الكلام حصر العلّة الفاعليّة لتحريك الإنسان في اللذّة والألم، قلنا: إنّ كون اللذّة والألم علّة فاعليّة يجب أن يرجع إلى أحد معان ثلاثة:

1 ـ كون اللذّة والألم هما الدافعان القهريّان للإنسان بلااختيار.

2 ـ كونهما دخيلين في القدرة.

3 ـ كونهما دخيلين في تحقّق الإرادة مع فرض انحفاظ القدرة والاختيار بغضّ النظر عنهما.

والأوّل: يعني الجبر وعدم الاختيار، وينهي موضوع قيم العقل العملىّ والمعنويّات.

والثاني: ـ أيضاً ـ يعني الجبر؛ إذ لو كان الالتذاذ بالشيء أو التألّم من نقيضه هو الذي يحدث القدرة على الشيء، فهذا يعني عدم القدرة على النقيض؛ إذ لايلتذّ به، بل يتألّم منه، في حين أنّ القدرة يجب أن تكون متساوية النسبة بين الطرفين، وإلّا لخرجت عن كونها قدرة.

والثالث: يرجع إلى كون اللذّة والألم دخيلين في العلّة الغائيّة؛ إذ مع تماميّة الالتفات إلى العلّة الغائيّة ومع تماميّة القدرة على الشيء لامعنىً لتوقّف انقداح الإرادة على شيء آخر، كاللذّة والألم، فتوقّف ذلك عليه إمّا يعني دخله في القدرة، أو يعني دخله في الغاية المطلوبة.

وقد يقال: إنّ العلّة الغائيّة التي هي متأخّرة في الوجود عن المعلول تكون بوجودها العلمىّ هي العلّة