المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

461

والواقع: أنّ حكم العقل بالحسن والقبح بهذا المعنى لا يستلزم حكم الشرع على طبقه، ولا ينافي الحكم على طبقه، بتخيّل أنّه مع حكم العقل يكون حكم الشرع لغواً وبلا فائدة.

وتوضيح ذلك: أنّ نفس إدراك الحسن والقبح له اقتضاء للتحرّك نحو الفعل والترك، ولابدّ من ملاحظة النسبة بين هذا الاقتضاء ومدى اهتمام المولى بالفعل أو الترك، فإن كان الثاني أكثر من الأوّل، أبرز المولى ما في نفسه من شدّة الاهتمام عن طريق الحكم والجعل؛ إذ إنّ عدم الإبراز كاشف عن عدم الاهتمام. وليس حكم العقل في المقام موجباً للغويّة هذا الحكم؛ إذ بحكم المولى وإبرازه لشدّة الاهتمام يشتدّ الحسن أو القبح، ويضاف إلى الحسن والقبح الثابتين أوّلاً حسن طاعة المولى وقبح معصيته.

وإن لم يكن الثاني أكثر من الأوّل، لم يكن داع للمولى إلى جعل الحكم على وفق ما حكم به العقل العملىّ. إذن فحكم العقل العملىّ لا هو مناف لحكم الشارع، ولا هو مستلزم له، وإنّما يكون حكم الشارع وعدمه تابعاً لمدى اهتمام المولى بالفعل أو الترك. هذا.

وعدم جعل الحكم من قبل المولى بناءً على نفي الملازمة ـ فيما لو كان الحسن والقبح حكمين عقلائيّين ـ يؤمّن من عقاب المولى، لكنّه لا يؤمّن على هذا المبنى ـ وهو واقعيّة الحسن والقبح ـ من عقابه؛ فإنّ نفس الحسن والقبح الواقعيّين عند إدراكهما يكفيان للاستحقاق الواقعىّ للمدح والذمّ، ومدح المولى ثوابه، وذمّه عقابه. فالعقل العملىّ لم يكن مثبتاً للحكم الشرعىّ، لكنّه مثبت لنتيجته: من استحقاق الثواب والعقاب(1).

 


(1) لايخفى أنّ الحسن والقبح يستتبعان أمرين مختلفين في الهويّة: أحدهما ما قد نسمّيه بالمدح والذمّ بالمعنى الذي يكون عبارة عن مجرّد التحسين والتقبيح للفاعل وسريرته، والثاني المجازاة والمكافأة التي يستحقّها الشخص بحكم العقل العملىّ، وهو الثواب والعقاب. هذا بناءً على واقعيّة الحسن والقبح. أمّا بناءًعلى عقلائيّتها، فالتحسين والتقبيح ـ أيضاً ـ نوع مكافأة عقلائيّة تأديباً ومنعاً عن المفاسد. ويشهد لتعدّد الأمرين وعدم رجوع أحدهما إلى الآخر: أنّ المدح والذمّ يعدّان من حقّ كلّ أحد يطّلع على صدور الحسن أو القبيح عن هذا الإنسان، في حين أنّ الثواب والعقاب يثبتان ـ بناءً على واقعيّة الحسن والقبح ـ على من اُحسن بشأنه، ولمن هضم حقّه، ويثبتان ـ أيضاً ـ لوليّ المجتمع كتأديب، ودفع للمفاسد، وجلب للمصالح.

ورأيت المحقّق الإصفهانىّ(رحمه الله) في بحثه عن الانسداد في نهاية الدراية ملتفتاً إلى تعدّد الأمرين، إلّا أنّه يقول: إنّ المدح والذمّ قد يقصد بهما معنىً أعمّ بحيث يشمل الثواب والعقاب، وبهذا المعنى يؤمن بأنّ مدح