المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

460

المفسدة. فلمّا رأوا ثبوت مصالح عامّة ونوعيّة في بعض الاُمور، ومفاسد كذلك في بعضها، تطابقوا على مدح مرتكب الأوّل، وذمّ مرتكب الثاني؛ كي يسعد بذلك المجتمع، وسعادة المجتمع ترجع إلى سعادة الأفراد، والشارع ليس شريكاً مع العقلاء في مصالحهم ومفاسدهم، ولا ينتفع بما ينتفعون به، ولا يتضرّر بما يتضرّرون به، وهو غنىّ عن العباد، غير محتاج إلى طاعتهم، ولا متضرّر بمعصيتهم. فدلالة تطابق العقلاء بالتضمّن على تطابق الشارع معهم غير صحيحة؛ لأنّ نكتة التطابق إنّما توجب تطابق العباد فيما بينهم، ولاترتبط بالمولى العزيز(1).

نعم، هنا كلام، وهو: أنّ هذا المولى صحيح أنّه لم يكن شريكاً معنا في المصالح والمفاسد، لكنّه يتحفّظ بأحكامه على مصالحنا، ودفع المفاسد عنّا، لكن هذا غير مرتبط بما هو محلّ الكلام فعلاً، وإنّما يرتبط باستكشاف الحكم الشرعىّ عن طريق العقل النظرىّ، باعتبار كشف العلّة عن المعلول، من باب تبعيّة الأحكام الشرعيّة للمصالح والمفاسد في نظر العدليّة.

المبنى الثالث: هو المبنى الصحيح: من أنّ الحسن والقبح العقليّين أمران واقعيّان يدركهما العقل.


(1) وبتعبير آخر: هل يفترض أنّ تطابق العقلاء على المدح والذمّ نشأ عن حرصهم على المصالح الشخصيّة، ودفعهم للمفاسد الشخصيّة، وإنّما جعلوا أحكام العقل العملىّ بنحو يحفظ المصالح النوعيّة، ويدفع المفاسد النوعيّة؛ لرجوع المصالح والمفاسد النوعيّة بوجه وآخر إلى المصالح والمفاسد الشخصيّة، ولو بمعنى رجوعها أحياناً إلى ذلك، فجعلوا أحكام الحسن والقبح عامّة بنكتة الاحتياط والتحرّز عمّا قد يترتّب من مفسدة شخصيّة، أو فوات مصلحة شخصيّة؟

أو يفترض أنّ العقلاء جعلوا أحكام العقل العملىّ بنكتة حبّهم العاطفىّ والغريزىّ لحفظ المصالح النوعيّة، ودفع المفاسد النوعيّة، ولو لم ترجع إلى الشخصيّة؟

أو يفترض أنّهم جعلوا هذه الأحكام لما أدركوا من حسن حفظ المصالح النوعيّة، ودفع المفاسد النوعيّة؟

والثالث لا يمكن المصير إليه؛ إذ ينقل الكلام إلى نفس حسن حفظ المصالح النوعيّة، ودفع المفاسد النوعيّة، فمن الذي جعل ذلك؟ ولماذا جعل؟!

والأوّل والثاني لا يدلّان بالتضمّن على موافقة المولى سبحانه؛ إذ هو غنىّ عن المصالح، ومنزّه عن العواطف. نعم، يبقى علمنا الخاصّ صدفة بأنّه تعالى يهتمّ بمصالح العباد، وهذا أمر آخر كما جاء بيانه في المتن.