المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

456

ولو كان المراد مخالفة الأشعرىّ في أصل الحسن والقبح، قلنا: إنّ الأشعرىّ لم يخالف في الحسن والقبح، وإنّما خالفنا بفرض إسنادهما إلى الشارع. وهذا من باب الخلط بين الحمل الأوّلىّ والثانوىّ وعدم التمييز بينهما، وهو غير الاختلاف في أصل الحسنوالقبح. وهذا نظير الاختلاف في أنّ الوجوب والإمكان ـ مثلاً ـ هل هما انتزاعيّان،كما هو المشهور، أو من لوح الواقع، كما هو المختار، مع الاشتراك في الإيمان بأصل الوجوب والإمكان. إذن فالاختلاف الذي يشير إليه المحقّق الإصفهانىّ(رحمه الله) غير ثابت، إلّا إذا قصد بذلك أنّه هو(رحمه الله) يخالفنا في ذلك، ويفرض عدم إدراكه(رحمه الله) لحسن الطاعة وقبح المعصية.

الثاني: أنّه لا مسوّغ لدعوى: أنّ كلّ ما هو مضمون الصحّة لكونه نابعاً من النفس بما لها من القوى فهو متّفق عليه بين العقلاء؛ وذلك لأنّه على رغم اشتراك الناس في قوى النفس قد يقع الخلاف بينهم في بعض ما هو مضمون الصحّة؛ لأحد أمرين:

الأوّل: أنّ الأشخاص مختلفون في تصاعدهم على وفق الحركة الجوهريّة في مراتب النفس وقواها؛ ولهذا تختلف دائرة البديهيّات سعة وضيقاً باختلاف الأشخاص إلى أن نصل إلى الأبله الذي لا يدرك كثيراً من بديهيّات العقل النظرىّ ـ مثلاً ـ التي يدركها متعارف الناس. ومن الممكن أن يوجد شخص في أعلى مراتب علوّ النفس ورقيّها، ويدرك بالبداهة كلّ ما هو نظرىّ عندنا.

الثاني: أنّ فهم النفس قد يغطّى بتأثير من الشبهات العلميّة، أو الشهوات النفسيّة، فلا يدرك ما كان يدركه لولا الشبهات أو الشهوات.

ولذا ترى أنّه في كلّ زمان من الأزمنة وإلى يومنا هذا كان يوجد في العقلاء المفكّرين والفلاسفة الفنّيّين من ينكر استحالة اجتماع النقيضين. هذا.

وقد اتّضح بما ذكرناه: أنّ كلّ ما أفاده القوم في المقام لإثبات مدركات العقل العملىّ أو نفيها أو التشكيك فيها غير صحيح.