المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

454

وأمّا المنطق التجريبىّ: فهو دعوى أنّ المصدر الأساس للمعارف البشريّة المضمونة الصحّة هي التجربة، وكلّ علم لم ينشأ عن التجربة يمكن أن يكون مطابقاً للواقع، ويمكن أن يكون مخالفاً له، ومن هذا القبيل العلم بالحسن والقبح الذاتيّين.

وإشكالنا على هذا المنطق مبنائىّ؛ إذ حقّق في محلّه عدم كون التجربة المصدر الأساس للمعرفة، واحتياجها إلى الرصيد العقلىّ الثابت في الرتبة المتقدّمة عليها، وليس هنا مجال تفصيل الكلام في ذلك.

وأمّا المنطق العقلىّ: فهو دعوى عدم ارتباط العقل العملىّ بالبرهان بموادّها وفروعها.

وهذا الوجه قائم على أساس القول بانحصار ضمان حقّانيّة أىّ قضيّة في كونها برهانيّة، أي: من موادّ البرهان، وهي البديهيّات الستّ، أو من الفروع المترتّبة على ذلك بالحدّ الأوسط.

أمّا كيف يقرّب عدم ثبوت هذا الضمان بالنسبة إلى العقل العملىّ؟ فهذا ما يتحدّث عنه المحقّق الإصفهانىّ(رحمه الله) بالشكل التالي:

ذكر(رحمه الله) أنّ البديهيّات منحصرة في ستّة أقسام: الأوّليّات، والفطريّات، والحسّيّات، والتجريبيّات، والحدسيّات، والمتواترات.

وقضايا العقل العملىّ لا تدخل في شيء من هذه الأقسام الستّة:

أمّا عدم دخولها في الأربعة الأخيرة، فواضح.

وأمّا الفطريّات فلا علاقة لقضايا العقل العملىّ بها؛ إذ القضايا الفطريّة ـ دائماً ـ تكون منطوية على قياس، كما في قولنا: الأربعة زوج، الذي قياسه معه، ولاينفكّ منه لغاية ظهوره، وهو انقسامها إلى المتساويين، أمّا في قبح الظلم ـ مثلاً ـ فلا نرى أىّ قياس مستبطن فيه.

وأمّا الأوّليّات فهي التي يكفي تصوّر طرفيها للجزم بالحكم، وليس الأمر في باب العقل العملىّ كذلك، وإلّا لما وقع الخلاف فيه.

أقول: أمّا ما أفاده تبعاً للمنطق القديم: من كون موادّ البرهان ـ وهي البديهيّات ـ ستّ، فقد مضى الكلام فيه، وعرفت أنّ الصحيح انحصارها في ثلاثة؛ لأنّ التجريبيّات والحدسيّات والمتواترات غير مضمونة الصحّة، والمضمون صحّته هو: الأوّليّات،