المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

453

بهدف الوصول إلى العزّ يقبّح قتله بغير هذا الهدف، أو قتله قبل رئاسته، أو بعد سقوطه من الرئاسة. فالاختلاف بينهم وبين سائر المجتمعات في تشخيص ما هو الأهمّ من هذين الأمرين. أمّا عدم درك أصل الحسن والقبح، فلايوجد لدى إنسان إلّا ذاك الأبله الذي لا يدرك بديهيّات العقل النظرىّ أيضاً.

والحاصل: أنّ التشكيك الأخبارىّ هنا بلحاظ كثرة الخطأ في العقل العملىّ؛ لما نراه من الاختلافات الكثيرة، وكذا البرهان الثالث من براهين عدم حقّانيّة العقل العملىّ، وهو عدم ذاتيّة الحسن والقبح؛ لاختلافهما باختلاف الوجوه والاعتبارات، ناشئان عن الغفلة عن مسألة التزاحم في باب العقل العملىّ، وتخيّل أنّ العقل العملىّ يدرك حسن عدّة اُمور وقبح عدّة اُمور اُخرى مباينة للاُولى، فيتراءى ـ حينئذ ـ الاختلاف بين العقلاء(1)، كما يتراءى ـ أيضاً ـ الاختلاف في ذلك باختلاف الوجوه والاعتبارات. وبالالتفات إلى هذه النكتة يرتفع كلا الاشتباهين. وكأنّ الغفلة نشأت عن تخيّل أنّ الحسن والقبح المدركين للعقل العملىّ عبارة عن صحّة المدح والذمّ على الحسن والقبيح، وعدم الالتفات إلى أنّ الحسن والقبح المدركين للعقل العملىّ ثابتان في الرتبة المتقدّمة على المدح والذمّ؛ إذ إنّه على هذا لا يبقى مجال لتصوّر اجتماع حسن وقبح على شيء واحد بعنوانين، وترجيح أحدهما على الآخر؛ إذ حسن الشيء ليس إلّا عبارة عن صحّة المدح عليه، وقبحه ليس إلّا عبارة عن صحّة الذمّ عليه. فاختلاف الناس في صحّة المدح والذمّ ليس إلّا اختلافاً في أصل الحسن والقبح، في حين أنّ الواقع: أنّ صحّة المدح والذمّ تكون في المرتبة المتأخّرة عن اعتقاد الفاعل بحسن فعله أو قبحه(2).


(1) ولا يخفى أنّ الاختلاف بين العقلاء ينشأ كثيراً في الأخلاقيّات التي لا واقعيّة لها، وتكون وليدة للقانون والبيئة والعادات وما شابه ذلك، كما في كشف العورة وحجاب المرأة وغير ذلك ممّا لا حسن وقبح واقعىّ فيه ما لم يفرض أمر من قبل المولى الحقيقىّ، فيرجع إلى حسن الامتثال وقبح المعصية. وينبغي الفصل بين الأخلاقيّات التي لها واقع مستقلّ والأخلاقيّات التي لا واقع لها عدا القوانين والعادات، والخلط بينهما قد يؤدّي إلى التشكيك الأخبارىّ الذي عرفت باعتبار مشاهدة الاختلافات بين العقلاء.

(2) لايخفى أنّ القبح وكذا الحسن الثابتين بنحو المطلق الشمولىّ يسريان إلى الحصص، فالحصّة التي يتصادق عليها العنوانان يتكاسر فيها الحسن والقبح، ويثبت فيها الأقوى فقط. وهذا كاف في غفلة صاحب الشبهة عن مسألة التزاحم، حيث لايرى في الحصص الّا حسناً فقط أو قبحاً فقط، من دون حاجة إلى الرجوع إلى افتراض أنّ الحسن والقبح يعني صحّة مدح أو ذمّ الفاعل على الفعل. ولو كان مقصوده (رضوان الله عليه) من اجتماع الحسن والقبح عدم التكاسر في الحصّة لعدم سريانها إليها، فهذا غير صحيح.