المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

452

قبيح) يرجع بالأخرة إلى قولنا: (القبيح قبيح)، وهذه قضيّة بشرط المحمول.

وبتعبير آخر: أنّ قولنا: الظلم قبيح لا يصلح إلّا أن يكون منبّهاً ومشيراً إلى عدّة قضايا مفروضة في الرتبة السابقة، فقد جعل الظلم اسماً لكلّ ما فرض في المرتبة السابقة قبحه، وهذا هو السرّ في عدم الخلاف في قبح الظلم.

والحاصل: أنّ إدخال قولنا: (الظلم قبيح والعدل حسن) في البراهين والأبحاث الفنّيّة ليس إلّا عبارة عن لعب الألفاظ بالاُمور العقليّة والمطالب الفنّيّة، نظير لعب كلمة (بيان) في قولهم: «يقبح العقاب بلابيان» بها، إذ إنّه جاء صدفة التعبير بكلمة (البيان) في لسان أوّل من عبّر عن هذا القانون «بقبح العقاب بلابيان»، ثُمّ اُسّس من زمان المحقّق النائينىّ(رحمه الله)إلى زماننا هذا ثلث الاُصول على هذا اللفظ، كما يتّضح ذلك بمراجعة ما مضى من بحث قيام الأمارات مقام القطع الطريقىّ، وما يأتي ـ إن شاء الله ـ من بحث الجمع بين الحكم الظاهرىّ والواقعىّ.

والصحيح في دفع منشأ التشكيك للأخبارىّ أن يقال: إنّ العقل العملىّ ينقسم إلى قسمين: عقل أوّل، وعقل ثان. كما قسّموا العقل النظريّ إلى قسمين: بديهىّ أوّلىّ، وبرهانىّ ثانوىّ (ونحن أضفنا إليهما الإدراك بحساب الاحتمالات). والعقل الأوّل يدرك حسن الأشياء وقبحها بقطع النظر عن مسألة التزاحم، والعقل الثاني يميّز الأهمّ من المهمّ عند التزاحم. وكثرة الاختلاف إنّما هي في الثاني، حتّى أنّ ما يحكى: من أنّ بعض المجتمعات تكون الرئاسة فيها مختصّة بقاتل الرئيس السابق، وليس قتل الرئيس قبيحاً عندهم، بل من يقتله ويقوم مقامه يرونه مستحقّاً للمدح، يرجع في الحقيقة إلى ما ذكرناه: من الاختلاف بينهم وبين المجتمعات التي شاهدناها في تمييز الأهمّ من المهمّ لدى التزاحم. فكلّ إنسان يدرك أنّ الطموح وطلب العزّ والرفعة في نفسه حسن(1)؛ ولذا ترى المجتمعات الاُخرى يحسّنون ذلك في غير موارد التزاحم بقبيح كالقتل. كما أنّ كلّ إنسان يدرك قبح قتل الإنسان في نفسه؛ ولذا ترى ذاك المجتمع الذي كان يحسّن قتل الرئيس


(1) الحسن والقبح العقليّان بالمعنى المدرك للعقل العملىّ لا يتصوّران بنحو تكون لهما واقعيّة حقيقيّة في فعل بشأن نفس الفاعل. نعم، يتصوّر بشأنه المصلحة والمفسدة والكمال والنقص. وحينما يؤمر من قبل المولى الحقيقىّ بعمل بشأن نفسه يصبح هذا العمل باعتباره امتثالاً لأمر المولى حسناً، لكن هذا بلحاظه امتثالاً لأمر المولى لا بشأن نفس الفاعل.