المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

451

الاختلاف الكثير فيه بين الناس؛ إذ لا يمكن حقّانيّة الآراء المتضادّة جميعاً، فلا يبقى اعتماد على العقل العملىّ.

وهذا الكلام يمكن أن يكون المراد منه منع حصول الإدراك العقلىّ للحسن والقبح، وقد مضى الكلام فيه، ويمكن أن يكون المراد منه منع ضمان الحقّانيّة، وهذا هو الذي نتكلّم عنه الآن.

وقد اُورد على ذلك تارة بالنقض بمسألة قبح إجراء المعجز على يد الكاذب، وقبح المعصية، وحسن الطاعة والمعرفة. وقد مضى الجواب عن ذلك.

واُخرى بالحلّ: بأنّ العقل العملىّ قد أدرك حسن العدل وقبح الظلم، ولم يقع خلاف في ذلك، وإنّما الخلاف في تطبيق هاتين الكبريين العقليّتين.

والجواب: أنّ قولنا: العدل حسن والظلم قبيح ضروريّتان بشرط المحمول، ونحن نشرح الكلام في ذلك بالنسبة إلى قولنا: (الظلم قبيح)، ومنه يظهر الكلام في قولنا: (العدل حسن)، فنقول: لايتحصّل معنىً معقول للظلم عدا سلب ذي الحقّ حقّه. فقد فرض في الرتبة المتقدّمة على هذا الكلام حقّ للمظلوم، سواء كان هو غير الظالم، أو كان هو نفس الظالم، كما في ظلم الشخص نفسه(1) ؛ إذ يكفي التغاير بين الظالم والمظلوم بالاعتبار، ونحن نتكلّم فيما يجب أن يكون مفروضاً في الرتبة المتقدّمة على الظلم، وهو الحقّ، فنقول:

إنّ هذا الحقّ تارة يفترض أنّه ليس مدركاً بالعقل، وإنّما هو حقّ قانونىّ واعتبارىّ بحت، واُخرى يفترض كونه مدركاً بالعقل:

فإن فرض الأوّل: فمن الواضح: أنّ العقل العملىّ لا يدرك قبح مخالفته؛ لعدم اعترافه به، وإنّما الحاكم بقبحها هو القانون والمجتمع أو الفرد الذي اعتبر هذا الاعتبار؛ ولذا ترى أنّ ما يقبح في مجتمع رأس مالي من تصرّفات في أموال لايقبح في مجتمع شيوعىّ مثلاً، باعتبار أنّ ملكيّة الفرد وسلطنته أمر اعتبارىّ اعتبره المجتمع الأوّل، ولم يعتبره المجتمع الثاني.

وإن فرض الثاني: أي: إنّ العقل العملىّ أدرك الحقّ، فهذا بنفسه هو الإدراك للقبح. فمعنى قولنا مثلاً: (إنّ من حقّ اليتيم أن لايضرب) هو أنّه يقبح ضرب اليتيم. فقولنا: (الظلم


(1) ظلم الشخص نفسه بمنطق العقل العملىّ غير معقول، إلّا بمعنى: أن يرتكب في حقّ نفسه ما حرّمه عليه المولى، كقتل نفسه؛ إذ هو مملوك للمولى لا لنفسه، وهذا راجع إلى ظلم المولى. ولا نتعقّل أىّ تغاير اعتبارىّ في الرتبة المتقدّمة على الظلم بين الشخص ونفسه بنحو يوجب تعقّل ظلم الشخص نفسه.