المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

450

حسن الصدق وقبح الكذب.

وهنا ـ أيضاً ـ من الواضح: أنّ مجرّد إدراك هذا الشخص ليس دليلاً مباشراً على المطلوب. وكأنّه ذكر ذلك لجبر النقص الذي أحسّ به ـ ولو ارتكازاً ـ في الوجه الأوّل من ثبوت جامع آخر من التعايش في المجتمع وملاحظة القوانين وما شابه ذلك، ففرض شخص فاقد لذلك كي يكون توافقه لباقي العقلاء في درك الحسن والقبح دليلاً على كون هذا الدرك نابعاً من حاقّ الفطرة والنفس البشريّة.

ويرد عليه:

أوّلاً: أنّ هذا صرف فرض وخيال، ولم نجرّبه خارجاً كي نرى هل يدرك هذا الإنسان الضرورة الخلقيّة، أو لا؟ وهذا الفرض يقابله فرض الشيخ الرئيس ابن سينا حيث ذكر بصدد الاستشهاد على عدم ثبوت واقعيّة العقل العملىّ: أنّنا لو فرضنا شخصاً وجد وعاش منفرداً، لا يكون مدركاً بعقله ولا بوهمه ولا بحسّه الحسن والقبح.

والواقع: أنّ كلا الفرضين لا يفيدنا بحسب الفنّ شيئاً.

وثانياً: أنّه لو سلّمنا في الجملة العلم بأنّ هذا الشخص سيختار الصدق، فإنّ هذا العلم لو تحقّق، فإنّما يتحقّق لمن يدرك سابقاً واقعيّة الحسن والقبح، فإدراكه السابق لذلك يجرّه إلى الاعتقاد بأنّ الإنسان الذي وجد وعاش منفرداً سيختار الصدق. أمّا من لا يدرك واقعيّة الحسن والقبح، فلا مسوّغ له لدعوى العلم بأنّ هذا الشخص سيختار الصدق؛ كي يجعل هذا دليلاً على واقعيّة الحسن والقبح.

وثالثاً: لو سلّم ـ على رغم فرض عدم إدراكنا السابق لواقعيّة الحسن والقبح ـ أنّ هذا الإنسان سيختار الصدق، تطرّق احتمال أن يكون اختياره للصدق لميل وغريزة نفسانيّة في الطبع البشرىّ يدفعه نحو الصدق متى ما لم تكن له مصلحة في الكذب، أو أن يكون اختياره للصدق لإدراكه بالعقل النظرىّ مصلحة الصدق ومفسدة الكذب على ما قاله الفلاسفة من كون إدراك مصالح الاُمور الحسنة ومفاسد الاُمور القبيحة واضحة لدى كلّ عاقل، وقد مضى أنّ إدراك الحسن والقبح غير مرتبط بباب الميل والغريزة، وبباب المصلحة والمفسدة.

وأمّا الموقف الثاني: وهو موقف التشكيك في العقل العملىّ: فتارة يكون بالمنطق الأخبارىّ، واُخرى بالمنطق التجريبىّ، وثالثة بالمنطق العقلىّ.

أمّا المنطق الأخبارىّ: فهو دعوى كثرة الأخطاء في العقل العملىّ ببرهان وقوع