المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

448

البرهان الثالث: ما ذكره بعض الكلاميّين، وهو مبتن على مقدّمة فرضت مفروغاً منها، وهي: إنّ ما يعرض على الأشياء حقيقة وواقعاً ـ لا جعلاً واعتباراً ـ يجب أن يكون ذاتيّاً لكلّ ما يعرض عليها أو لبعضها؛ إذ كلّ ما بالعرض يجب أن ينتهي إلى ما بالذات.

ونحن لا نتكلّم هنا عن مدى صحّة هذه المقدّمة وعدمها؛ لاستلزامه الخروج عمّا يقتضيه المقام، ونبحث الأمر بناءً على صحّة هذه المقدّمة، فنقول:

إنّ البرهان الذي ذكر في المقام على عدم واقعيّة الحسن والقبح، هو أنّهما لو كانا واقعيّين لكانا ذاتيّين، مع أنّهما ليسا ذاتيّين؛ لما نرى من اختلافهما بالوجوه والاعتبارات.

وأجيب عن ذلك بأنّ الحسن ذاتىّ للعدل، والقبح ذاتىّ للظلم، ولا يختلف العدل والظلم في الحسن والقبح باختلاف الوجوه والاعتبارات. وأمّا ما نراه من كون الصدق ـ مثلاً ـ تارة حسناً، واُخرى قبيحاً، أو ضرب اليتيم كذلك، وما إلى ذلك من الاُمور، فهذا ينشأ عن اختلاف الحالات في الدخول تحت هذه الكبرى أو تلك. فمتّى ما كان الصدق أو ضرب اليتيم أو غير ذلك عدلاً، كان حسناً، ومتّى ما كان ظلماً، كان قبيحاً. فصحّ هنا ـ أيضاً ـ أنّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات.

ويرد عليه: ما سيأتي إن شاء الله في الأمر الثالث: من أن قولنا: العدل حسن والظلم قبيح ليس إلّا قضيّة بشرط المحمول.

والصحيح في الجواب: أوّلاً: ما سيأتي ـ إن شاء الله ـ في الأمر الثالث: من أنّ الحسن والقبح لا يختلفان باختلاف الوجوه والاعتبارات. فالصدق في ذاته ـ دائماً ـ حسن، والكذب في ذاته ـ دائماً ـ قبيح، وهكذا غيرهما من العناوين التفصيليّة للفضائل والرذائل. ولكن ما يتراءى من الاختلاف ينشأ عن مسألة التزاحم، كما سنبيّن ذلك إن شاء الله.

وثانياً: لو سلّمنا وقوع الاختلاف في الحسن والقبح بالوجوه والاعتبارات، فتلك الوجوه والاعتبارات مأخوذة كقيد فيما هو حسن أو قبيح، لا كمجرّد حيثيّات تعليليّة. وهذا لا ينافي الذاتيّة بالمعنى الذي ينبغي أن يكون مقصوداً من قولهم: «إنّ الأمر الواقعىّ يجب أن يكون ذاتيّاً»؛ إذ لو أرادوا من هذه الجملة: أنّ الأمر الواقعىّ يجب أن لايؤخذ في متعلقه قيد، فهذا كلام غير قابل للتعقّل، ولو أرادوا منها ذاتيّة الأمر الواقعىّ للحصص، أو لبعضها ممّا ترجع إليها باقي الحصص، فهذا ثابت في المقام؛ لأنّنا افترضنا تلك الوجوه والاعتبارات كقيود محصّصه، لا كحيثيّات تعليليّة.