المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

447

ويرد عليه:

أوّلاً: أنّ هذا البرهان ـ كما ذكرنا ـ مصوغ على وفق مباني الفلاسفة، ولكن الإشكال في المبنى؛ فإنّ لوح الواقع عندهم عبارة عن لوح الخارج، فكلّما يدركه العقل إدراكاً صحيحاً، وليس ظرف عروضه هو الخارج، قالوا عنه: إنّه أمر انتزاعىّ انتزعه العقل، وليس أصيلاً.

ولكنّا نرى أن لوح الواقع أوسع من لوح الخارج؛ ولذا نقول: إنّ الإنسان ممكن سواء وجد شخص ينتزع الإمكان من الإنسان، أو لا، والخالق سبحانه واجب سواء تصوّر أحد وجوبه، أو لا، وكذلك نقول فيما نحن فيه: إنّ الحسن والقبح ليسا انتزاعيّين ـ بمعنى يقابل الوجود في لوح الواقع الذي هو أوسع من لوح الخارج ـ حتّى يرد الإشكال الأوّل، ولا خارجيّين حتّى يرد الإشكال الثاني، بل هما من موجودات لوح الواقع.

وثانياً: لو سلّمنا المبنى، اخترنا في المقام الشقّ الأوّل، وهو كون ظرف العروض هو الذهن، وظرف الاتّصاف هو الخارج، وننكر عدم وجود الجامع الذي يكون منشأً للانتزاع؛ إذ الجامع بين الأفعال المختلفة ماهيّة والأعدام المتّصفة بالحسن والقبح هو دخولها تحت السلطنة وكونها في طول السلطنة. وقد مضى أنّ اتّصاف الأشياء بالضرورة الخلقيّة إنّما هو بهذا الاعتبار. فأصل الضرورة الخلقيّة تابع لأصل السلطنة، وهي الجامع، وتحصّصات هذه الضرورة ـ بكونها ضرورة الصدق، أو الوفاء، أو ترك الانتقام، وما إلى ذلك ـ تابعة لتحصّصات نفس السلطنة، بكونها سلطنة على الصدق، أو الوفاء، أو ترك الانتقام، وما إلى ذلك(1).


(1) قد يقال: لو كانت الضرورة الخلقيّة منتزعة من جامع كون الشيء داخلاً تحت السلطنة، للزم ثبوتها في كلّ الأفعال والتروك التي هي تحت السلطنة، في حين أنّه يوجد كثير من الاُمور تحت السلطنة التي لا تتّصف بالضرورة، ولزم كون فعل واحد وجوده وعدمه في آن واحد ضروريّاً بالضرورة الخلقيّة؛ لأن نسبة السلطنة إليها على حدّ سواء.

إلّا أنّ هذا الإشكال قد يجاب عنه بافتراض موانع عن هذا الانتزاع في كلّ ما لا يتّصف بصفة الضرورة الخلقيّة، بنوع من المانعيّة ملائمة مع عالم الانتزاع. هذا.

ولكنّ العقل المدرك للحسن والقبح لدى من يعترف به حاكم بأنّه ليس مجرّد كون الشيء تحت السلطنة تمام المقتضي للحسن والقبح، بل لمتعلّق السلطنة دخل اقتضائىّ في ذلك، فيلزم انتزاع الشيء من اُمور متباينة بما هي متباينة. فالجواب الصحيح هو الجواب الأوّل في المقام.