المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

446

لكلا الإدراكين ـ إلى النتيجة بكمال الوضوح؛ إذ كانت المقدّمتان مع التطبيق بديهيّة، فصارت النتيجة في قوّة البديهىّ.

البرهان الثاني: برهان فلسفىّ، وأقصد بذلك برهاناً قد نصوغه على وفق مباني الفلاسفة، وإن كانوا هم لم يذكروا هذا البرهان، وهو: أنّ الحسن والقبح لو كانا واقعيّين: فإمّا أن يكونا انتزاعيّين، أو من الأعراض المتأصّلة في المحلّ.

وبتعبير آخر: إمّا أن يكونا من المعقول الثانوىّ بحسب مصطلح الفلاسفة، أو من المتأصّلة العارضة على المحلّ.

وتوضيح هذه الاصطلاحات: أنّ الشيء تارة يتصوّر بعناوينه الذاتيّة من الجنس، والفصل، والنوع، وهذه معقولات أوّليّة، واُخرى يتصوّر بعناوين غير ذاتيّة، كوجوبه، وإمكانه، وسواده، وبياضه، وغير ذلك، وهذه عناوين متأخّرة عن العناوين الأوّليّة. وهي على قسمين:

الأوّل: ما يكون انتزاعيّاً، وهو ما يكون ظرف عروضه هو الذهن، وظرف اتّصافه هو الخارج، كالوجوب والإمكان ونحوهما. وهذا هو المعقول الثانوىّ في المصطلح الفلسفىّ.

الثاني: ما يكون أصيلاً، وهو ما يكون ظرف عروضه واتّصافه هو الخارج، كالسواد والبياض ونحوهما.

فهل الضرورة الخلقيّة أو الحسن والقبح أمر انتزاعىّ ينتزع من الاُمور الحسنة والقبيحة، أو أنّ ظرف عروضها واتّصافها معاً هو الخارج؟ فإن قيل بالأوّل، لزم انتزاع شيء واحد من اُمور متباينة بما هي متباينة؛ إذ الأفعال المتّصفة بالحسن أو القبح قد تكون متباينة بحسب المقولة والماهيّة ولا جامع بينها، بل ربّما ينتزع هذا الشيء الواحد من الوجود والعدم، فوجود الإكرام ـ مثلاً ـ حسن، وعدم الانتقام ـ أيضاً ـ حسن، في حين أنّه لاجامع بين الوجود والعدم.

وإن قيل بالثاني، لزم عدم اتّصاف الأفعال قبل وجودها بالحسن والقبح؛ إذ لا يعقل وجود العرض قبل وجود المعروض، فقبل أن يضرب هذا الشخص اليتيم لا يقبح ضربه، وقبل أن يكرمه لا يحسن إكرامه.

وهذا ـ كما ترى ـ مناف لماهيّة الحسن والقبح والضرورة الخلقيّة، وخلف للعقل العملىّ.