المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

445

ما يستدلّ به على عدم الحقّانيّة

وأمّا الأمر الثاني: وهو الكلام فيما يمكن الاستدلال به على عدم حقّانيّة ما يدركه الناس من الحسن والقبح، فنذكر هنا براهين ثلاثة على ذلك:

البرهان الأوّل: برهان أشعرىّ، وهو مركّب من صغرى وكبرى استفادوهما من العقل النظرىّ: أمّا الصغرى فهي مجبوريّة الناس على أعمالهم. وهذه ممنوعة عندنا، وأمّا الكبرى فهي عدم اتّصاف الفعل الخارج عن القدرة بالحسن والقبح. وهذه صحيحة. ويستنتج من هاتين المقدّمتين عدم اتّصاف أفعال الناس بالحسن والقبح. وهذا هو الوجه الوحيد الموجود في كلمات الأشعريّين الذي يمكن أن يجعل دليلاً على بطلان العقل العملىّ. وأمّا ما عدا ذلك من الوجوه المذكورة في كلماتهم، فلا ينبغي الشكّ في أنّها لا تفيد أكثر من عدم ضمان حقّانيّة العقل العملىّ.

والتحقيق: أنّ هذا الوجه ـ أيضاً ـ لا يفيد إنكار صحّة العقل العملىّ؛ فإنّ العقل العملىّ لا يحكم إلّا بقضيّة شرطيّة، وهي: إنّ الفعل إن كان اختياريّاً، اتّصف بالحسن والقبح. وإنكار الشرط لا يؤدّي بنا إلى إنكار القضيّة الشرطيّة، بل ظاهر سوق الدليل بهذا الشكل هو التسليم بحسن الأفعال وقبحها على تقدير اختياريّتها.

نعم، يمكن أن يتخيّل أنّ العقل العملىّ يحكم ابتداءً بحسن بعض أفعال الناس وقبح بعضها، فيجعل ما مضى من البرهان الأشعرىّ برهاناً على بطلان العقل العملىّ، ولكن لدى التحليل يظهر أنّ حكم العقل بالبداهة بحسن بعض أفعال الناس وقبح بعضها مرجعه إلى حكم العقل النظرىّ بصغرى بديهيّة، وهي: الاختيار. وحكم العقل العملىّ بكبرى بديهيّة، وهي: اتّصاف الفعل الاختيارىّ بالحسن والقبح، فتنتقل النفس ـ التي هي مركز واحد


فجوابه: أنّ المدح والذمّ تارة يرجعان إلى صدور الفعل عن الفاعل، أو قل: إلى ذات الفعل، واُخرى يرجعان إلى السريرة، وكون هذا الشخص في سريرته خبيثاً أو طيّباً. فإن قصد أنّ رجوعهما إلى الفعل مشروط بالعلم، فهو ممنوع، وإن قصد أنّ دلالة العمل على خبث السريرة وطيبها مشروطة بالعلم بحسن الفعل وقبحه، فهذا صحيح، ولا يلزم من ذلك أخذ العلم بالشي ء في موضوع نفسه. هذا.

والظاهر: أنّ المشهور عرّفوا الحسن والقبح بمدح الفاعل وذمّه، وكأنّ اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) كان بصدد ردّ ذلك، وعليه كلامه (رضوان الله عليه) صحيح.