المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

439

شكل حركته، ويتحرّك في نموّه من جهة اُخرى، فهو أوسع إمكاناً من الجماد.

وأمّا الحيوان فهو أرقى من النبات في سلّم الوجود، فتتّسع دائرة إمكاناته وحرّيّته في مجال أوسع. فإذا ضرب حيوان مثلاً، وصمّم على الفرار، وكانت لفراره عدّة طرق متساوية، لا يمكن للعالم الطبيعىّ أن يتنبّأ ما سوف يختاره هذا الحيوان من طريق الفرار.

وأمّا الإنسان فهو أرقى مرتبة من الحيوان في سلّم الوجود، ويعيش في دائرة أوسع من الإمكانيّات والحرّيّات. فبينما ترى الحيوان أسير غرائزه وميوله النفسانيّة لا يتخلّف عنها قدر المستطاع، ترى الإنسان له عقل باستطاعته أن يحكّمه على الغرائز والميول النفسانيّة، فيغيّر مجرى عمله من مسير الغرائز وتلك الميول، أو أن لا يحكّمه.

والخلاصة: أنّه كلّما كان الموجود في درجة أرقى من سلّم الوجود، فهو أكثر إمكاناً وحرّيّة في التصرّف. وبهذا يتّضح جوهر الاختيار في الأفعال الاختياريّة.

الثاني: أنّه تفترق الأفعال الاختياريّة عن غيرها من ناحية الوجوب؛ إذ إنّ الثاني واجب بوجوب غير مسبوق بالاختيار، والأوّل يكون وجوبه في طول الاختيار والإرادة. وما هو في طول الاختيار لا يعقل أن ينافي الاختيار، وإلّا لزم من وجوده عدمه.

والواقع: أنّ شيئاً من هذين الوجهين لا يفيدان الاختيار بالمعنى الذي هو موضوع لحكم العقل بالحسن والقبح، وصحّة المدح والذمّ.

ولعلّهم إنّما اصطلحوا على ما ذكروه باسم الاختيار، وتكلّموا بتلك الكلمات خجلاً من التصريح بالجبر.

توضيح ذلك: أنّ الوجه الأوّل إنّما يبيّن تفاوت الموجودات في المقدار الممكن من طروّ العوارض والخصوصيّات عليها، واختلاف درجات قابليّة القابل، وتسمية بعض الدرجات باسم الاختيار. وهذا لا يختلف في الروح والجوهر عن مثل أن يقال:

إنّ الجسم الفلانىّ لا تكون له قابليّة التلوّن بلون عدا لون السواد مثلاً، والجسم الآخر يقبل التلوّن بعدّة ألوان. فيسمّى الثاني بالاختيار، ويقال إنّ هذا الجسم مختار في اتّخاذ أىّ لون من هذه الألوان. أ فليس هذا عدا اصطلاح اعتباطىّ خال من النكتة الفنّيّة الموجودة في الاختيار المصحّح للمدح والذمّ والموضوع للحسن والقبح؟!

وأمّا الوجه الثاني: فما ذكر فيه: من أنّ ما هو في طول الاختيار لا ينافي الاختيار، وإن