المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

380

للعبد امتثاله على كلا الشقّين، أي: سواء اختار الفعل أو الترك، ومع امتثاله لذلك الجزء يكون أمره بالنسبة إلى الجزء الآخر دائراً بين المحذورين، فتجري البراءة عن الطرفين بناءً على جريانها في موارد الدوران بين المحذورين، ولا يمنعه وجوب الالتزام عن إجراء الأصل بالنسبة إلى الجزء الثاني(1).

وأمّا على الوجه الخامس: وهو كون وجوب الالتزام حكماً شرعيّاً مستقلّاً موضوعه الحكم الشرعىّ الأوّل، فأصل البراءة عن وجوبي الالتزام طبعاً غير جار؛ للتعارض والتساقط. أمّا الأصل الجاري في جانب العمل، فلا يشكّل وجوب الالتزام مانعاً عن إجرائه لو لم يكن فيه محذور عملىّ: بأن يؤدّي إلى جواز المخالفة العمليّة القطعيّة، سواء فرضنا الأصل تنزيليّاً بمعنى كونه ناظراً إلى كلّ آثار الواقع، أو فرضناه ناظراً إلى نفي ذات الحكم من دون أن ينفي آثاره الشرعيّة: أمّا على الثاني فواضح؛ لأنّ الأصلين لا ينفيان الأثر الشرعىّ المترتّب على الحكم، وهو وجوب الالتزام بحسب الفرض، فلا منافاة بينه وبين الأصلين، وأمّا على الأوّل، فلأنّ غاية ما يلزم سقوط إطلاق الأصلين بالنسبة إلى نفي هذا الأثر (وهو وجوب الالتزام)؛ لعلمنا الإجمالىّ بوجوب أحد الالتزامين، ولكن لا وجه لسقوط الأصلين من رأس(2).

هذا تمام الكلام في وجوب الموافقة الالتزاميّة، ومدى تأثيره في جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالىّ بغضّ النظر عن ابتلاء هذا الوجوب بمزاحم له: وهو حرمة التشريع (والمقصود من التشريع إسناد ما لم يعلم أنّه من الشارع إليه).

والآن نريد أن نتكلّم في النسبة بين وجوب الالتزام وحرمة التشريع، فنقول: لو اخترنا من الوجوه السابقة ما يتطلّب وجوب الالتزام بالجامع، إذن لا يوجد أىّ تصادم بينه وبين حرمة التشريع، أمّا لو اخترنا منها ما يتطلّب وجوب الالتزام بالفرد المعلوم بالإجمال بحدّه


(1) ولكن يمنعه عن إجراء البراءة من أصل الواجب الارتباطىّ المركّب من الفعل والالتزام، أو الترك والالتزام؛ لإمكانيّة المخالفة القطعيّة.

(2) لو افترضنا الأصل في أحد الطرفين إلزاميّاً، وفي الطرف الآخر نافياً للإلزام مع العلم الإجمالىّ بمخالفة أحد الأصلين للواقع، كما لو علمنا إجمالاً إمّا بطهارة الإناء المستصحب النجاسة، أو بنجاسة الإناء المستصحب الطهارة، فنفي الأصل لوجوب الالتزام في الطرف الأوّل يعارض نفي الأصل لوجوب العمل والالتزام في الطرف الثاني. نعم، الأصل في الطرف الأوّل بلحاظ العمل جار بلا معارض.