المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

379

والجواب: أنّ كون نفي الأفراد تكويناً مساوقاً لنفي الجامع تكويناً لا يستلزم كون نفيها تشريعاً مساوقاً لنفيه تشريعاً، وعدم الجامع مفهوم مغاير لمفهوم عدم الأفراد، فإثبات الأوّل بالأصل الذي يثبت الثاني تمسّك بالأصل المثبت(1).

وأمّا على الوجه الرابع: وهو افتراض كون وزان الالتزام وزان قصد القربة في دخله في غرض المولى.

فالمقصود بذلك: إن كان هو افتراض كون الالتزام بالفرد الثابت في الواقع دخيلاً في الغرض، كان أثر ذلك خروج موارد دوران الأمر بين المحذورين عن الدوران، وإمكانيّة المخالفة القطعيّة العمليّة، ولاتجري الاُصول، وإن كان هو افتراض كون الالتزام بالقدر المعلوم (وهوالجامع) دخيلاً في الغرض، فأحد جزئي الواجب وهو الالتزام بالجامع يمكن


(1) كلّ هذا البيان إنّما يتمّ على رأي المشهور من كون الوصول هو المنجّز للحكم.

والواقع: أنّه على هذا الرأي كان على المشهور الالتزام بجواز مخالفة العلم الإجمالىّ الاحتماليّة عملاً برغم تساقط الاُصول الشرعيّة؛ وذلك لأنّ ما وقع تحت التنجيز إنّما هو الجامع، أمّا خصوصيّة الأفراد فهي باقية تحت قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولا معنىً لإسراء محذور التعارض الإثباتىّ في الاُصول الشرعيّة إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وعلى أىّ حال، فبناءً على الرأي المختار: من أنّ الحكم يكفي في تنجيزه احتماله، وأنّ الأصل الشرعىّ يمنع عن التنجيز عن طريق إبراز عدم اهتمام المولى بالحكم في ظرف الشكّ، وأنّ تساقط الاُصول في أطراف العلم الإجمالىّ إنّما هو بنكتة عرفيّة تمنع عن قبول إطلاق الدليل لإثبات عدم اهتمام المولى بالحكم مع العلم الإجمالىّ إلى حدّ الترخيص في المخالفة القطعيّة، وأنّ جريان الأصل في بعض الأطراف دون بعض ترجيح بلا مرجّح... أقول: بناءً على ذلك كلّه صحّ أن يقال فيما نحن فيه: إنّ وجوب الموافقة الالتزاميّة ـ أيضاً ـ يمنع عن جريان الاُصول كوجوب الموافقة العمليّة؛ وذلك لأنّ إجراء الاُصول في تمام الأطراف يساوق الترخيص في المخالفة القطعيّة؛ لأنّ الواجب الذي يتطلّبه الحكم هو الالتزام بواقع الحكم لا بالجامع بين الحكمين، وإجراء الأصل في بعض الأطراف ترجيح بلا مرجّح، هذا إضافة إلى ما عرفته في التعليق السابق: من أنّ الإشكال بناءً على هذا الوجه (لو قلنا باستحالة الالتزام بالمتنافيات) ليس هو اقتضاء الاُصول للترخيص في ترك الالتزام، بل هو منعه تكويناً عن الالتزام. وهذا الإشكال لا يفرّق فيه بين فرض وجوب الالتزام بالواقع ووجوب الالتزام بالجامع؛ فإنّ الالتزام بنجاسة كلا الإناءين واقعاً والالتزام بجامع طهارة أحدهما واقعاً لا يجتمعان.

وقد ظهر بمجموع ما ذكرناه في هذا التعليق والتعليق السابق: أنّه بناءً على هذا الوجه الثالث من وجوه تصوير وجوب الالتزام يستفحل إشكال مانعيّة وجوب الالتزام عن جريان الاُصول، ولا يمكن حلّه لا عن طريق افتراض أنّ الأصل ليس عدا ترخيص في جانب العمل لا الالتزام، ولا عن طريق أنّ الوصول تمّ بقدر الجامع. نعم، يبقى أمل واحد لحلّ الإشكال وهو ما سيأتي ـ إن شاء الله ـ من بحث دفع وجوب الالتزام في المقام بمزاحمته لحرمة التشريع. وعلى أىّ حال، فلا يهمّنا الأمر بعد أن كان أصل الوجه الثالث غير صحيح بإشكال يخصّه كما مضى.