المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

377

والصحيح: أنّ بيان المنافاة على هذا الوجه ـ أيضاً ـ غير تامّ، وذلك لأنّ الوصول الذي هو موضوع التنجيز لم يتمّ إلّا بقدر الجامع.

وتوضيح ذلك: أنّ هناك كلاماً في أنّ العلم في موارد العلم الإجمالىّ هل هو متعلّق بالواقع على قدره الحقيقىّ، أعني الفرد، أو بالجامع؟ فإن قلنا بالأوّل كما عليه المحقّق العراقىّ(رحمه الله) (وقد تُفرّعُ عليه علّيّة العلم الإجمالىّ لوجوب الموافقة القطعيّة)، صحّ القول في


وعلى الفرض الثاني يعقل التفكيك، وحينئذ إن لم يكن لدليل الأصل إطلاق يشمل نفي وجوب الالتزام، فلا منافاة بين الأصل ووجوب الالتزام، وإن كان له إطلاق ففي مثل مستصحبي النجاسة ودوران الأمر بين المحذورين، يسقط الإطلاق بالتعارض، وتجري الاُصول بلحاظ العمل، وفيما إذا كان الأصل في أحد الطرفين نافياً للإلزام، وفي الطرف الآخر إلزاميّاً، والعلم الإجمالىّ تعلّق بمخالفة أحد الأصلين للواقع، (كما لو علمنا إجمالاً إمّا بنجاسة الإناء المستصحب الطهارة، أو بطهارة الإناء المستصحب النجاسة)، فنفي الأصل لوجوب الامتثال العملىّ والقلبىّ في الطرف الأوّل يعارض نفي الأصل لوجوب الامتثال القلبىّ في الطرف الآخر.

وعلى الفرض الثالث نرجع إلى لسان دليل الأصل، فإن كان لسانه الفرض الأوّل، اُلحق به، وإن كان لسانه لسان الفرض الثاني، اُلحق به، أمّا مع الإجمال فإن فرض معنى الإجمال تردّد مفهوم الكلام بين الفرضين، التحق في النتيجة بأخسّ الفرضين، وإن فرض معنى الإجمال الدلالة على مفهوم جامع بين الفرضين، التحق في النتيجة بأخصّب الفرضين.

وهنا فرض رابع: وهو الذي نؤمن به: من أنّ روح الأصل ثبوتاً أجنبىّ عن كلّ تلك الفروض السابقة حتّى لو كان لسانه لسان أحد تلك الفروض، وإنّما واقع الأصل وحقيقته: هو إبراز اهتمام المولى أو عدم اهتمامه بالحكم الواقعىّ في ظرف الشكّ. ومن هنا يصبح كلّ أصل حاكياً عن اهتمام المولى بما يتطلّبه الحكم الواقعىّ من الالتزام به قلباً لو كان مطابقاً مع الواقع، ففي مستصحبي النجاسة يقتضي الاستصحاب التزامنا قلباً بالنجاسة الواقعيّة لكلّ من الإناءين، صحيح أنّ الاستصحاب حكم ظاهرىّ، لكنّ معنى ظاهريّته: أنّه وجب علينا ظاهراً الالتزام بالنجاسة الواقعيّة، فبناءً على عدم إمكانيّة الالتزام بالمتناقضات والمتضادّات يصبح الوجه الصحيح لبيان المنافاة بين وجوب الالتزام والاُصول هو التقريب الذي مضى عن السيّد الخوئىّ: من أنّه مع إجراء الاُصول نعجز تكويناً عن الالتزام بالحكم الواقعىّ المعلوم إجمالاً.

أمّا إذا قلنا بإمكانيّة الالتزام بالمتناقضات والمتضادّات، فحال الأصل النافي للمعلوم بالإجمال في هذا الفرض هو حال الأصل في الفرض الأوّل، أي: إنّه لا يعقل ـ أيضاً ـ التفكيك بين شقّي التنجّز، فتتمّ المنافاة بين الاُصول ووجوب الالتزام.

هذا كلّه حال الأصل النافي للمعلوم بالإجمال، كاستصحاب عدم الطهارة مع العلم بطهارة أحدهما. أمّا الأصل المثبت لما يضادّ المعلوم بالإجمال، كاستصحاب النجاسة مع العلم بطهارة أحدهما، ففي الفرض الأوّل والثاني والثالث لا تنافي بين وجوب الالتزام وجريان الاُصول بناء على عدم حجّيّة مثبتات الاُصول، وفي الفرض الرابع لا فرق بين الأصل المثبت لما يضادّ المعلوم بالإجمال والأصل النافي للمعلوم بالإجمال؛ فإنّه على أىّ حال يدلّ على اهتمام المولى بالحكم الذي أثبته لو كان هو الواقع في مقابل الحكم الآخر، أي: يهتمّ بالحكم الآخر لو كان هو الواقع، ولا فرق في ذلك بين افتراضها نقيضين أو ضدّين.