المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

373

الواجبات الشرعيّة. وهذا متوقّف على ورود دليل شرعىّ على ذلك في الأحكام كما ورد في اُصول الدين، ويدور ـ حينئذ ـ سعة وضيقاً مدار مفاد ذاك الدليل المفترض.

ومقصود الأصحاب (رضوان الله عليهم) ممّا جعلوه مداراً إثباتاً ونفياً في المقام هو: الوجه الثالث من هذه الوجوه دون غيرها. أمّا الوجه الخامس فواضح(1)، وأمّا الأوّلان والرابع فيظهر من التأمّل في كلماتهم: أنّها غير مقصودة. ونحن نقتصر هنا على الاستشهاد بالقرائن الموجودة في كلام المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله):

فقوله في الكفاية في أوّل هذا المبحث: «هل تنجّز التكليف بالقطع كما يقتضي موافقته عملاً يقتضي موافقته التزاماً...» ينفي إرادة الوجه الأوّل؛ فإنّ وجوب الالتزام بناءً على الوجه الأوّل حكم عقلىّ في عرض التنجّز، وليس شقّاً من شقّي التنجّز، ولا مترتّباً على التنجّز، فقوله: «هل تنجّز التكليف يقتضي...» إنّما يتلاءم مع الوجه الثاني الذي يكون وجوب الالتزام فيه حكماً عقليّاً مترتّباً على التنجّز، أو الثالث الذي يكون وجوب الالتزام فيه شقّاً من شقّي التنجّز، أو الرابع الذي يكون الالتزام فيه دخيلاً في الغرض، فيتنجّز على العبد بتنجّز التكليف.

ثُمّ تصريحه(رحمه الله) في أثناء البحث بأنّ الموافقة الالتزاميّة بناءً على وجوبها تجب حتّى في غير موارد وجوب الموافقة القطعيّة أو حرمة المخالفة القطعيّة ينفي الثاني والرابع؛ فإنّ الثاني لا يكون إلّا في مورد يتنجّز العمل بالأركان، والرابع يجري في مورد الدوران بين المحذورين، لكنّه لايكون في موارد الترخيص.

وقد أشكل(رحمه الله) على وجوب الالتزام بالوجدان الحاكم بعدم ثبوت حقّ من هذا القبيل للمولى، في حين أنّ هذا الإشكال لا مورد له على الوجه الرابع الذي يفترض فيه دخل الالتزام في غرض المولى؛ فإنّ الوجدان غير مطّلع على ما له دخل في غرض المولى، أو ليس له دخل.

وأيضاً عبّر(رحمه الله) بناءً على وجوب الالتزام بأنّ للحكم امتثالين وطاعتين: إحداهما بحسب القلب والجنان، والاُخرى بحسب العمل بالأركان، وهذا ـ كما ترى ـ ظاهره تعدّد


(1) لعلّ وجه الوضوح دعوى أنّه لامجال لتوهّم ورود دليل شرعىّ على ذلك. وعلى أيّ حال، فالقدر المتيقّن عندي: أنّ الأصحاب لم يقصدوا الوجه الرابع؛ فإنّهم لم يتكلّموا في الوجوب الشرطىّ للالتزام، وإنّما تكلّموا فيما هو من سنخ الوجوب التكليفىّ.