المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

328

عقلاء، ولا مورد له بالنظر إليهم بما هم موال؛ إذ من الواضح أنّهم بما هم موال كما يناسبهم جعل الطريقيّة كذلك يناسبهم جعل الحكم التكليفىّ(1).

إذن فقد اتّضح بهذا أنّ السيرة العقلائيّة لا تعيّن ما ذهب إليه المحقّق النائينىّ(رحمه الله) من جعل الطريقيّة.

وبعد هذا يجب أن نرجع إلى الأدلّة اللفظيّة لحجّيّة خبر الثقة؛ كي نرى أنّه هل يستفاد منها جعل الطريقيّة، أو لا؟ والظاهر: أنّه لا يستفاد منها ذلك لو بنينا على فحص لنا في سالف الزمان؛ إذ إنّ الأدلّة اللفظيّة الدالّة على حجّيّة خبر الواحد ـ بحسب فحصنا السابق ـ على ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما لم يصرّح فيه بحجّيّة الخبر، ولكن ذكر فيه بعض آثار الحجّيّة، فنستكشف من ذلك الحجّيّة، وذلك من قبيل الأخبار العلاجيّة الدالّة على علاج التعارض الذي هو فرع حجّيّة أصل كلّ واحد من الخبرين في نفسه، وكآية النبأ بناءً على دلالتها على حجّيّة خبر الواحد من باب ذكر عدم لزوم التبيّن الذي هو أثر من آثار الحجّيّة بناءً على بعض المباني في تفسير ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ التي سوف يأتي شرحها في محلّه إن شاء الله، وكآية النفر بناءً على دلالتها على حجّيّة خبر الواحد لما فيها من ذكر حسن الحذر الذي هو فرع احتمال العقاب الذي هو من آثار الحجّيّة.

ومن المعلوم أنّ هذا القسم من الأدلّة لا يدلّ على كيفيّة لسان جعل الحجّيّة؛ إذ إنّما استفيدت الحجّيّة منها بذكر آثارها، أمّا ما هو لسان جعل الحجّيّة؟ فغير معلوم.

الثاني: ما دلّ مباشرة على الحجّيّة، لكنّه من حيث لسان جعل الحجّيّة مجمل، فلا يدلّ على أحد الألسنة بالخصوص من جعل الطريقيّة أو غيره، وذلك مثل قوله(عليه السلام): «نعم» في جواب قول السائل: «يونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟»؛ فإنّ هذا إنّما يدلّ على أنّ يونس بن عبد الرحمن ممّن يؤخذ عنه معالم الدين، أمّا أنّ هذا هل هو من باب الحكم التكليفىّ بوجوب الأخذ مثلاً، أو من باب جعله طريقاً، أو غير ذلك؟ فغير معلوم.


(1) وإن تنبّهنا إلى ما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في حجّيّة القطع من رجوع الحجّيّة إلى حاقّ المولويّة وحدودها، وقلنا مبنيّاً على ذلك: إنّ هناك وجهاً ثالثاً لتصوير السيرة العقلائيّة في المقام: وهو دعوى أنّ العقلاء جعلوا حدود المولويّات المجعولة لهم عبارة عن حقّ المولويّة والطاعة في الأوامر المعلومة زائداً الأوامر الواصلة بخبر الواحد مثلاً، كان من الواضح ـ أيضاً ـ أنّ المسألة أجنبيّة عن جعل الطريقيّة.