المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

323

اللسان الذي يحكم الوجدان بترتّب التنجيز عليه؟

وقد انقدح بما ذكرناه وجوه الخلل فيما أفاده المحقّق النائينىّ(رحمه الله) ؛ إذ إنّه بنى على إمكان التنجيز بغير الحكم التكليفىّ، لكنّه فصّل في ذلك بين جعل الطريقيّة وجعل المنجّزيّة والمعذّريّة. فذكر ـ ردّاً على مقالة المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) في بحث الجمع بين الحكم الواقعىّ والظاهرىّ ـ: أنّ جعل التنجيز والتعذير تخصيص في حكم العقل، وهو لا يجوز، وإنّما المعقول هو تبديل موضوع حكم العقل بجعل الطريقيّة والعلم.

أقول: إن اُريد بجعل التنجيز والتعذير أو الطريقيّة إيجاد واقع هذه الاُمور بالتشريع المباشر، فكلّ ذلك مستحيل، فالتنجيز والتعذير من مختصّات دائرة العقل، ولا تنالهما يد الشرع، كما أنّ الطريقيّة من مختصّات دائرة التكوين، ولا تنالها يد التشريع. ولا نظنّ بالمحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) أنّه كان يقصد جعل واقع التنجيز والتعذير، ولا بالمحقّق النائينىّ(رحمه الله) أن يقصد جعل واقع الطريقيّة.

وإن اُريد بذلك اعتبارها وجعل عناوينها، فكلّ هذا ممكن، ولا يستلزم أىّ تخصيص في حكم العقل.

نعم، يبقى الكلام في أنّ التنجيز والتعذير العقليّين يترتّبان على أىّ واحد من هذه الاعتبارات؟ فالمحقّق الخراسانىّ يدّعي ترتّبهما على اعتبار التنجيز والتعذير، والمحقّق النائينيّ يدّعي ترتّبهما على اعتبار العلم والطريقيّة. ولا نعرف وجهاً فنّيّاً يرجّح أحد الرأيين على الآخر. ونحن قد اخترنا أنّهما يترتّبان على كلّ هذه الألسنة وغيرها بما هي تكشف عن اهتمام المولى بالحكم في ظرف الشكّ لا بما توجدها من اعتبارات، أمّا إذا غضضنا النظر عن كشفها عن ذلك، فلا قيمة عمليّة لأيّ شيء من هذه الاعتبارات، ولا يترتّب عليها أثر التنجيز والتعذير إطلاقاً. هذا.

وقد اشتهر الإيراد على المحقّق النائينىّ(رحمه الله): بأنّ جعل الأمارة علماً الذي يعني تنزيلها منزلة العلم عبارة اُخرى عن جعل أحكام العلم من التنجيز والتعذير لها، والمفروض استحالة ذلك، فما معنى جعل الأمارة علماً وطريقاً؟!

إلّا أنّ هذا خلط بين باب التنزيل وباب الاعتبار، فليس مقصود المحقّق النائينىّ(رحمه الله)تنزيل الأمارة منزلة العلم في الآثار، وإنّما مقصوده ـ كما أفاده في بعض كلماته ـ اعتبارها علماً من قبيل المجاز السكّاكىّ، أو التبنّي المتعارف في بعض الأوساط. نعم، يبقى الكلام