المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

280

الناشئ من القبح الفعلىّ، أو قل: إنّ ملاك الاستحقاق ليس أحد القبحين، بل مجموعهما.

ويظهر ما في هذا الوجه مع جوابه من كلماتنا السابقة؛ فإنّ ذلك كلّه متفرّع على تصوير قبحين: قبح فعلىّ، وقبح فاعلىّ، وتخيّل رجوع باب الحسن والقبح إلى باب المصلحة والمفسدة، وقد عرفت أنّ القبح ليس إلّا قسماً واحداً، وهو متعلّق بالفعل بما هو مضاف إلى الفاعل، وأنّ باب الحسن والقبح غير باب المصلحة والمفسدة، وأنّ ثبوت القبح في فرض الشكّ والجهل المعذّر غير معقول. وقد عرفت ـ أيضاً ـ أنّ القبح الكامن في المعصية عبارة عن قبح مخالفة حقّ المولى، وثابت عند المعصية والتجرّي معاً.

الثالث: أنّا لو فرضنا شخصين شرب كلّ منهما مائعاً باعتقاد الخمريّة، فصادف قطع أحدهما الواقع دون الآخر، فإن قيل: إنّه يعاقب كلاهما، فهو المطلوب، وإن قيل: إنّه يعاقب من صادف قطعه الواقع فقط، لزم إناطة استحقاق العقاب بما هو خارج عن القدرة، وهو المصادفة؛ فإنّ الخطأ والمصادفة لو كانا باختيار الإنسان، لما أخطأ أحد.

والجواب: أنّ فرض اختصاص العقاب بمن صادف قطعه الواقع لا يستلزم استناد العقاب إلى ما هو خارج عن الاختيار، وتوضيح ذلك:

أنّ هذا الشخص إنّما يعاقب على سدّ باب واحد من أبواب العدم، وهو العدم الناشئ عن عدم إرادته لشرب الخمر، وهو تحت اختياره قطعاً.

نعم، المتجرّي ـ عند من لايرى عقابه ـ إنّما لايعاقب لانفتاح باب من أبواب العدم عليه ولو بلااختيار، كالعدم الناشئ من الخطأ في قطعه.

وما أكثر من ينجو من استحقاق العقاب بسبب انفتاح باب من أبواب العدم عليه خارج عن اختياره، كالعدم الناشئ من عدم وجود الخمر في الخارج، أو من عدم قدرته على الشرب؛ لمرض يمنعه عن التحرّك نحو الخمر وأخذه، أو عدم قدرته على شرائه ونحو ذلك، ولابأس بذلك(1).


(1) العقاب إنّما هو على المعصية لاعلى سدّه لباب من أبواب عدم المعصية. ولعلّ هناك مسامحة في التعبير من قبل اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): بأن يكون المقصود بيان أنّ ما صدر عنه وعليه العقاب هو العصيان الاختيارىّ ولو باختياريّة سدّ باب واحد من أبواب عدمه.