المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

276

سيّئة، واُخرى يكون هذا الفعل بوصفه صادراً عن الإنسان لا بذاته بغضّ النظر عن حيثيّة الصدور.

والتفكيك بينهما أمر معقول، فمثلاً: كنس الشوارع بما هو هو حسن، وليس قبيحاً؛ إذ تترتّب عليه نظافة الشوارع، ولكن لو صدر عن شخصيّة محترمة لها مقام مخصوص، كان قبيحاً. فالأوّل هو القبح الفعلىّ، والثاني هو القبح الفاعلىّ.

وهذا الكلام يتوقّف تصويره على إرجاع باب الحسن والقبح إلى باب المصلحة والمفسدة.

أمّا بناءً على ما هو صحيح: من كونهما أمرين واقعيّين مدركين بالعقل العملىّ، وغير راجعين إلى باب المصلحة والمفسدة، فمصبّهما ـ دائماً ـ هو الفعل بلحاظ الصدور عن الفاعل المختار، لا ذات الفعل بغضّ النظر عن حيثيّة الصدور؛ فإنّ الفعل بغضّ النظر عن نسبته إلى الفاعل المختار لا يتّصف بالقبح أبداً، فقتل المؤمن الصادر عن الكهرباء ـ مثلاً ـ ليس قبيحاً، وإنّما يتّصف الفعل بالقبح باعتبار نسبته إلى الفاعل المختار.

نعم، قد يكون مطلق صدوره عن الفاعل المختار لا ضير فيه، وإنّما يصبح قبيحاً بعنوان مخصوص كعنوان التجرّي. وهذا هو الذي قلنا: إنّه راجع إلى كون القبح بعنوان ثانوىّ، لا إلى تصوير قبح فاعلىّ في مقابل القبح الفعلىّ. وقد تحصّل من كلّ ما ذكرناه:

أوّلاً: أنّ التقريب الموجود في تقرير المحقّق الكاظمىّ(رحمه الله) لتصوير قبح فاعلىّ في مقابل القبح الفعلىّ غير مقبول.

وثانياً: أنّ قبح الفعل لا يعقل تقسيمه إلى قبح فعلىّ بلحاظ ذات الفعل، وقبح فاعلىّ بلحاظ الصدور، إلّا بناءً على إرجاع باب الحسن والقبح إلى المصلحة والمفسدة، وإلّا فالقبح ـ دائماً ـ يكون بلحاظ الصدور.

بل نقول: إنّه حتّى بناءً على إرجاع ذلك إلى باب المصلحة والمفسدة لا يصحّ فرض كون القبح تارة فعليّاً واُخرى فاعليّاً (1).


(1) كأنّ مقصوده(رحمه الله) من فرض رجوع الحسن والقبح إلى باب المصلحة والمفسدة فرضهما مجعولين من قبل العقلاء بلحاظ المصلحة والمفسدة، وعندئذ يقال: إنّ تقسيم القبح إلى الفعلىّ والفاعلىّ غير صحيح حتّى بناءً على كونه جعليّاً؛ لأنّنا بما نحن عقلاء لا نشكّ في أنّ العقلاء لم يجعلوا قبحاً للفعل بغضّ النظر عن صدوره عن الفاعل المختار، وجعل العقلاء للحسن والقبح كان بحكمة الدفع والزجر، وكان خاصّاً بالصدور عن الفاعل المختار.