المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

264

وما ذكرناه واضح بناءً على أنّ قبح المعصية ـ الثابت بنفس مولويّة المولى كما هو الحقّ، أو بقاعدة قبح الظلم كما هو مبنى القوم ـ أمر واقعىّ يدرك بالعقل العملىّ.

أمّا لو قلنا بأنّ قبحها حكم عقلائىّ مجعول من قبل العقلاء تحفّظاً على النظام الاجتماعىّ، ولا واقع لباب الحسن والقبح وراء جعل العقلاء التابع لما يرونه من مصالح ومفاسد، فالالتزام بثبوت هذا الحكم العقلائىّ قد يرد عليه ما مضى في مسألة الحرمة: من إشكال عدم المحرّكيّة، أي: إنّ هذا الإشكال لو تمّ هناك تمّ هنا أيضاً، فيقال: إنّ المتجرّي الذي يعتقد كون عمله معصية وقبيحاً عند العقلاء لو لم يردعه هذا القبح المعتقد لا يردعه قبح التجرّي المفروض جعله من قبل العقلاء.

ومن هنا ظهر ما في كلام المحقّق الإصفهانىّ (رحمه الله) حيث يرى في بحث الحرمة أنّ حرمة التجرّي لغو؛ لعدم المحرّكيّة؛ إذ من لم تردعه حرمة الفعل التي اعتقد بها خطأً لا تردعه


ولايلزم ممّا ذكرناه من فرض حقّين للمولى ـ حقّ الاحترام، وحقّ تحصيل الطاعة بملاك تحصيل الغرض ـ أن يكون العاصي أشدّ حالاً أمام ذمّ العقل ولوم الوجدان كي يقال: إنّ هذا خلاف الوجدان.

وتوضيح ذلك: أنّ لوم الوجدان أو قل ذمّ العقل لا يتبع الحقّ الواقعىّ لشخص ما، بل هو تابع لوصول الحقّ ولو خطأً، فمن قتل شخصاً باعتقاده فلاناً من الناس الذي لا يجوز قتله، ثُمّ تبيّن له أنّ قتله كان حقّاً له؛ لأنّ المقتول كان قاتلاً لأبيه، فكان من حقّه القصاص، فهذا الإنسان على الرغم من أنّه لم يخالف حقّاً واقعيّاً للمقتول يكون ملوماً لدى الوجدان حتّى بعد انكشاف الواقع؛ لأنّه حينما قتله كان يعتقد ولو خطاءً أنّه ليس من حقّه قتله، هذا ما ندّعيه بالوجدان، وليس بالإمكان إقامة برهان على ذلك.

وبناءً عليه يكون المتجرّي والعاصي متساويين أمام محكمة الوجدان على الرغم من أنّ العاصي خالف حقّين للمولى، والمتجرّي خالف حقّاً واحداً له؛ وذلك لأنّ المتجرّي حين التجرّي كان يعتقد أنّ عمله كان معصية للمولى ومخالفة لحقّ طاعة الحكم الواقعىّ له، فهو ملوم لدى الوجدان على هذا العمل لهذه النكتة حتّى بعد انكشاف الخلاف.

أمّا لو لم نقبل ملامة الوجدان لمن يخالف باعتقاده حقّ أحد بعد أن ينكشف خطأ الاعتقاد، وقلنا: إنّ الوجدان المطّلع على حقيقة الأمر لا يلوم هذا الإنسان، فلازم ذلك بناءً على ما اخترنا: من ثبوت حقّين للمولى ـ (حقّ الاحترام، وحقّ تحصيل الغرض المطلوب) ـ عدم مساواة العاصي والمتجرّي أمام محكمة الوجدان. وهذه النتيجة الواضحة البطلان قد تسرّب البطلان إليها من المقدّمة الاُولى، وهي إنكار ملامة الوجدان عند انكشاف عدم الحقّ واقعاً، لا من المقدّمة الثانية، وهي فرض تعلّق حقّ للمولى بتحصيل غرضه. وعلى تقدير عدم حكم الوجدان باللوم عند انكشاف عدم الحقّ لا يحكم الوجدان بمساواة العاصي والمتجرّي في الذمّ والملامة.