المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

185

الأعلم، فنقول: إنّ الدليل على حجّيّة ذلك هو عين الدليل على حجّيّة الظهور من سيرة العقلاء أو المتشرّعة، فسيرة العقلاء أو المتشرّعة كما هي قائمة على حجّيّة الظهور كذلك هي قائمة على أنّ هذا المستوى من الإحراز غير العلمىّ من قبل من يعدّ من أهل الخبرة والبصيرة بالفنّ كاف في إثبات الظهور(1).

وأمّا القسم الثاني: وهو حكم العقل، فهو تارة يكون عمليّاً راجعاً إلى مسألة الحسن والقبح.

واُخرى يكون نظريّاً كالحكم بالإمكان والامتناع.

أمّا الأوّل: كما لو رأى غير الأعلم عدم قبح الكذب في مورد ما، فهو خارج عمّا نحن فيه؛ لأنّ حكم العقل العملىّ ليس إلّا من الأحكام الوجدانيّة، لاالفنّيّة التي تقبل النقاش، فهو فاقد للشرط الثالث من شرائط مورد الإشكال.

وأمّا الثاني: كما لو رأى امتناع اجتماع الأمر والنهي، أو الترتّب، أو إمكانهما، فخلاصة القول فيه: أنّ اجتهاده في مثل اجتماع الأمر والنهي، أو الترتّب يعني الفحص عن المقيّد العقلىّ لإطلاق (صلّ) لإثبات صحّة الصلاة في المكان المغصوب، أو عند تزاحم الأهمّ، فإن أدّى اجتهاده إلى الإمكان، فهذا يعني أنّه لم يظفر بالمقيّد، ولايجب عليه الفحص بمعونة الأعلم، وهذا داخل في القسم السابق الذي مضى أنّ الإشكال فيه أهون، وأنّ الجواب عنه هو منع دلالة دليل الفحص على هذا المقدار من الفحص.

وإن أدّى اجتهاده إلى الامتناع، فهذا يعني الظفر بالمقيّد العقليّ للإطلاق.

وعندئذ نقول: إنّ العموم أو الإطلاق الذي أدّى نظر الخبير البصير إلى وجود المقيّد له بحيث لو لامخالفة الأعلم لكان عالماً بذلك، لايكون حجّة في منطق سيرة العقلاء أو المتشرّعة.


(1) هذا مرجعه إلى مبدأ حجّيّة الظهور لدى الشخص كأمارة على ثبوت الظهور العرفىّ، وهذا يرجع في روحه إلى أنّ المسألة دخلت في الفرض الأوّل، وهو فرض أنّ عدوله عن رأيه يساوق تبدّل الموضوع له، لاانكشاف الخطأ في الحكم؛ لأنّ الظهور المتكوّن في نفسه كان حجّة في الكشف عن الظهور العرفىّ، وقد تبدّل ذلك بظهور آخر.

والواقع: أنّ لبّ الجواب بكلّ تشقيقاته يرجع ـ دائماً ـ إلى أحد أمرين:

إمّا إنكار كون المورد من الموارد التي يتصوّر فيها الأعلميّة.

وإمّا دخول المورد في القسم الأوّل الذي مضى حلّ الإشكال فيه.