المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

183

الأعلم، وهناك عدّة مناشئ لحصول هذا الاحتمال له:

الأوّل: أنّ الأعلم ليس ـ دائماً ـ في حالة انشراح الصدر وصفاء الذهن، بل ربّما يبتلي ببعض الأعراض الصحّيّة، أو الروحيّة، أو المشاكل الحياتيّة، ونحو ذلك ممّا يؤثّر في صفاء الذهن، ممّا يجعله يحتمل أنّه لو ناقشه غير الأعلم في رأي يرتئيه في هذه الحالة، لتغلّب عليه في النقاش(1).

الثاني: أنّ الأعلم ربّما يحتمل بشأن نفسه أن يصبح بالمستقبل أعلم منه في هذه الحال، ويعدل عن بعض فتاواه التي يفتي بها الآن.

الثالث: أنّه ليس الفرق ـ دائماً ـ بين الأعلم وغيره بمراتب كثيرة بحيث لايتّفق أن يصبح الأعلم مغلوباً لغير الأعلم في النقاش، بل قد يكون الفارق بينهما قليلاً بحيث قد يَغْلِب وقد يُغْلَب، وإن كانت غلبته أكثر من مغلوبيّته بأضعاف المرّات مثلاً.

الرابع: أنّه ربّما يفرض أعلم الموجودين مفضولاً بالنسبة إلى مجتهد ميّت كالشيخ الأنصاريّ(رحمه الله) مثلاً، ممّا يجعله يحتمل أنّه لو كان يناقشه لكان يعدله عن رأيه، أ فهل يقال: إنّه ـ عندئذ ـ لايجوز له الاعتماد على رأيه؟!

إلّا أنّ هذا الوجه قابل للنقاش؛ فإنّ أعلميّة العلماء الراحلين إنّما تكون بمعنى كونهم أصفى ذهناً وأقوى فهماً وأكثر تأثيراً في دفع عجلة العلم إلى الأمام، في حين أنّ المجتهد الحىّ قد يكون بمستوىً أنزل في هذه الاُمور، ولكنّه في نفس الوقت يكون أعلم الأحياء ـ دائماً ـ هو الأعلم حتّى بالنسبة إلى الأموات، بمعنى: الأجود استنباطاً؛ لأنّ إفادات الماضين بقيت لهذا الشخص، وأضاف إليها إفادات نفسه، فهو أعلم ممّن مضى وإن كانت إفادات من مضى أكثر من إفاداته هو، ففي فرض النقاش يكون هو الذي يغلب الشيخ الأنصاريّ(رحمه الله) إلّا أنّ هذه الغلبة تعني في الحقيقة غلبة جماعة من المحقّقين من حيث المجموع على الشيخ الأنصاريّ(رحمه الله)(2).

الخامس: أنّ كون الشخص أعلم من جميع الماضين والمعاصرين لايعني أنّ الله تعالى


(1) وقد يلتزم صاحب الإشكال بالنسبة إلى هذا المورد من النقض بأنّه متى احتمل الأعلم ذلك وجب عليه انتظار ساعة صفاء الذهن.

(2) هذا النقاش إنّما يتمّ عند وجود فاصل زمنىّ كبير بين الماضي والحىّ، أمّا مع قصر الفاصل الزمنيّ، فقد يتّفق كون الميّت أعلم من أعلم الأحياء بتمام معنى الكلمة.