المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

178


فقد يقال: إنّ هذه خاصّة بالمجتهد، ولاتشمل العامّىّ؛ لأنّ شروط الحجّيّة غير موجودة بشأنه، فحجّيّة خبر الواحد ـ مثلاً ـ مشروطة بالفحص عن المعارض والمخصّص والمقيّد والحاكم، والذي يقدر على ذلك هو المجتهد، وليس العامّىّ.

وهذا في الحقيقة ينتهي إلى الاستشكال في أصل عمليّة التقليد.

وتوضيح الحال هو: أنّ مسألة التقليد ـ بحسب ما هو مركوز في أذهان العقلاء ـ عبارة عن رجوع غير أهل الخبرة إلى أهل الخبرة، وهذا واضح بالنسبة إلى المسائل التي يصل فيها الفقيه إلى القطع واليقين بحكم الله الواقعىّ؛ فإنّ حكم الله الواقعىّ مشترك بين العالم والجاهل، إلّا أنّ الجاهل لايستطيع أن يصل إليه بنفسه؛ لأنّه ليس من أهل الخبرة والبصيرة، في حين أنّ المجتهد هو من أهل الخبرة والبصيرة، فإذا اكتشف الحكم رجع المقلّد إليه رجوع الشخص إلى أهل الخبرة والتخصّص، ولكن ماذا نصنع في الموارد التي لايصل الفقيه فيها إلى اكتشاف الحكم الواقعىّ اكتشافاً قطعيّاً، بل غاية ما يصل إليه عبارة عن الحكم الظاهرىّ من باب حجّيّة الأمارة أو الأصل، وفي غالب الأحيان ليس الحكم الظاهرىّ مشتركاً بين العالم والجاهل؛ لأنّ شروط الحجّيّة غير موجودة بشأن الجاهل: فحجّيّة خبر الواحد ـ مثلاً ـ مشروطة بالفحص عن المعارض والمخصّص والمقيّد والحاكم، والذي يقدر على ذلك هو المجتهد، وليس العامّىّ. وحجّيّة استصحاب النجاسة في الماء المتغيّر الزائل تغيّره تتوقّف على يقين سابق وفحص في الأخبار، وهما لايحصلان إلّا للمجتهد. وأصالة الاشتغال إنّما تجري عند تحقّق العلم الإجمالىّ بأحد حكمين، وهو إنّما يحصل للمجتهد... وعندئذ فالمجتهد بأيّ شيء يفتي العامّىّ؟ هل بالحكم الواقعىّ أو بالحكم الظاهرىّ؟

فإن أراد إفتاءه بالحكم الواقعىّ، لم يجز له ذلك؛ لأنّ حاله في ذلك حال العامّىّ، غاية الأمر إمكان افتراض كونه ظانّاً بالحكم الواقعىّ، ولكن الظنّ لايغني من الحقّ شيئاً.

وإن أراد إفتاءه بالحكم الظاهرىّ، ورد عليه: أنّ هذا الحكم مختصّ بالمجتهد نفسه، ولم يتحقّق موضوعه بشأن العامّىّ، ويكون حاله حال حكم الولاية والقضاء المختصّين بالفقيه، ولامعنىً لأن يفتي أحداً بما يختصّ بنفسه!!

ولايمكن دفع هذا الإشكال بأنّ مفاد الأمارات هو حكم واقعىّ، أي: إنّ الأمارة تحكي عن الحكم الواقعىّ وإن كانت حجّية الأمارات حكماً ظاهريّاً، فالمجتهد يفتي العامّىّ بمفاد الأمارات.

إذ من الواضح ـ بغضّ النظر عن أنّ هذا الحلّ لو تمّ لاختصّ بمورد الأمارات، ولايشمل مورد الاُصول ـ أنّ مجرّد كون الأمارات حاكية عن الحكم الواقعىّ لاأثر له في حلّ الإشكال؛ فإنّ الذي ينفعنا في مقام العمل هو حجّيّتها، والنتيجة تتبع أخسّ المقدّمات، فالعمل يكون على الحكم الظاهرىّ لاعلى الحكم الواقعىّ.

كما لايمكن دفع هذا الإشكال بمثل مسلك الشيخ النائينىّ(قدس سره): من جعل العلم الاعتبارىّ.

ولابمسلك تنزيل غير العلم منزلة العلم.

فإنّه مضافاً إلى أنّ العلم الجعليّ أو الاعتبارىّ المطروح من قبل الشيخ النائينىّ(رحمه الله) قد طرحه في باب الأمارات دون الاُصول يرد عليهما: أنّ العلم الاعتبارىّ أو التنزيل لايحقّق الخبرويّة حتّى تنطبق في المقام قاعدة الرجوع إلى أهل الخبرة.

وإذا أفلست هذه الأوجه الثلاثة من الجواب بوضوح، قلنا: إنّ هنا أوجهاً اُخرى أكثر عُمقاً من هذه الأوجه ←