المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

177


للتكليف، بل بنكتة الامتنان، ونذكر لذلك مثالين:

الأوّل: ما لو شكّ في البلوغ، كما لو شكّ في تماميّة الخامسة عشر من عمره، فهل يجري استصحاب عدم البلوغ مثلاً، أو لا؟

ولو لم نرغب في مثال الشبهة الموضوعيّة بسبب أنّ تعيين الوظيفة في مورد الشبهة الموضوعيّة كما في قاعدتي التجاوز والفراغ ليس من وظيفة علم الاُصول، فبالإمكان فرض الشبهة حكميّة، كما لو شكّ فيما جعل حدّاً للبلوغ هل هو الدخول في الخامسة عشر، أو إكمالها مثلاً، أو شكّ في مفهوم ما جعل حدّاً للبلوغ سعةً وضيقاً كالإنبات لو شكّ في أنّ مفهومه هل هو إنبات الشعر الخشن، أو يشمل الشعر الرقيق؟

ولنفترض أنّ هذا الشخص كان مجتهداً كي لايختلط هذا البحث بالبحث الآتي عن شمول حديثنا لغير المجتهد وعدمه، فهنا يبحث هذا الشخص عن أنّه هل يُوجد في أدلّة التكاليف عموم أو إطلاق يمكن الرجوع إليه لإثبات التكليف، أو هل يوجد استصحاب عدم التكليف، ويتقدّم على العموم أو الإطلاق ـ لو كان ـ في الشبهات الموضوعيّة، أو يتعارضان في الشبهات الحكميّة أو المفهوميّة، أم ماذا؟

الثاني: ذكر بعض الفقهاء ثبوت الأحكام الناشئة من قاعدة الملازمة بين حكم العقل بالقبح والحرمة الشرعيّة، أو استحقاق العقاب على غير البالغين كثبوتها على البالغين، وذلك من قبيل حرمة الظلم مادام أنّ نفي التكليف عنه لم يكن لأجل عدم قابليّة الموضوع، فلابدّ له من تحصيل مؤمّن من قطع أو ظنّ معتبر أو العمل بوظيفة الشاكّ الشرعيّة أو العقليّة.

البحث الثاني: راجع إلى غير المجتهد، فهل هذا التقسيم إلى الشاكّ والظانّ والقاطع ينبغي اختصاصه بالمجتهد، أو ينبغي شموله للعامّىّ؟

والبحث هنا يقع في مقامين:

الأوّل: في أنّه هل يكون غير المجتهد داخلاً في هذا التقسيم ولو لأجل كونه كالمجتهد في الجملة في ثبوت وظيفة الشاكّ والظانّ له؟؛ فإنّ ثبوت وظيفة الشكّ والظنّ له في الجملة كاف في دخوله في التقسيم.

والثاني: أنّه هل يثبت لغير المجتهد تمام الوظائف المقرّرة للظانّ والشاكّ كالمجتهد، أو لا؟

أمّا المقام الأوّل: فالصحيح أنّ غير المجتهد ينبغي إدخاله في التقسيم؛ فإنّه مكلّف بالأحكام الشرعيّة بلا إشكال، فلابدّ له من الالتفات إليها، وإذا التفت إليها فتارة يحصل له القطع بالحكم كما في الأحكام الضروريّة القطعيّة له، وعندئذ يعمل بقطعه، وهذا هو القسم الأوّل.

واُخرى لايحصل له القطع به، ولكن يوجد لديه طريق ظنّيّ إلى الحكم كفتوى المجتهد، وعلى هذا التقدير: تارة يحصل له القطع بحجيّة ذاك الطريق الظنّي، فيدخل في القسم الثاني.

واُخرى يشكّ في ذلك، أو لايوجد مجتهد، أو لايتمكّن من الرجوع إليه، فيدخل في القسم الثالث، ويعمل بما يحكم به عقله من الاُصول العقليّة من براءة أو احتياط أو تفصيل، فحال غير المجتهد في الأقسام هو حال المجتهد عيناً. إلّا أنّه قد يدّعى: أنّ الطرق الظنّيّة للمجتهد كثيرة، ولغيره منحصرة في فتوى المجتهد. وهذا لايوجب خروج غير المجتهد عن المقسم.

وأمّا المقام الثاني: فهو البحث عن أنّ الطرق الكثيرة الثابتة للمجتهد من الظنون الحجّة أو الاُصول العمليّة الكثيرة هل هي ثابتة للعامّىّ، أو لا؟←