المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

172

نعم، لو فرضنا أنّ ما أشرنا إليه من مخالفة نتيجة المسلك الرابع ـ أحياناً ـ للارتكاز مبطل لهذا المسلك، تعيّن المسلك الثالث.

هذا، والواقع: أنّ المسلكين الثالث والرابع كليهما مخالفان للارتكاز؛ فإنّ المرتكز هو: اشتراك الحكم في نفسه ـ وبغضّ النظر عن التقليد ـ بين العالم والجاهل. والاعتماد على هذا الارتكاز يعني الكشف إنّاً عن اشتراك الحكم بغضّ النظر عن التقليد ـ إن أمكن ذلك ـ كما في مورد الأمارات، أو في مطلق موارد الأمارات والاُصول، على بيان سيأتي ـ إن شاء الله ـ في ذيل البحث عن المقام الثالث.

وأمّا لو لم نثق بمفاد هذا الارتكاز ـ ولو لفرض قطعيّة بطلانه في موارد الاُصول التي ليس فيها علم اعتبارىّ ـ لم يمكن الكشف عن الحكم المشترك قبل جواز التقليد، ورجعنا مرّة اُخرى إلى المسلك الرابع.

ثُمَّ إنّ هنا امتيازاً لكلّ من المسلك الأول والثالث والرابع على المسلك الثاني، وهو: أنّ تلك المسالك ـ غير المسلك الثاني ـ كما يمكن تطبيقها في الأحكام المشتركة بين المجتهد والمقلّد، كذلك يمكن تطبيقها بوضوح في الأحكام الخاصّة بالمقلّد، كمسائل الحيض والنفاس للمرأة، إذا كان المجتهد رجلاً.

وأمّا المسلك الثاني، وهو: كون المجتهد ببركة الحكم الظاهريّ عالماً اعتباراً بالحكم الواقعيّ، فقد يشكل في الأحكام المختصّة بالمقلّد؛ إذ ليس بشأن المجتهد حكم ظاهريّ كي يكون ببركته محرزاً للحكم الواقعىّ.

والتحقيق في المقام: أنّه لا مانع ثبوتاً من إمكان تماميّة هذا المسلك في الأحكام المختصّة بالمقلّد؛ وذلك لكفاية ترتّب أثر واحد بشأن المجتهد في ثبوت الحكم الظاهريّ له، وذاك الأثر هو: جواز الإفتاء بناءً على أنّ العلم الاعتبارىّ كما يقوم مقام القطع الطريقىّ كذلك يقوم مقام القطع الموضوعىّ(1).


(1) ولو لا قيامه مقام القطع الموضوعىّ، لما أمكن تصحيح التقليد حتّى في الأحكام المشتركة بالعلم الاعتبارىّ للمجتهد، إلّا بدلالة الاقتضاء لدليل جواز التقليد، فإنّ علم المجتهد موضوع لجواز التقليد، فلايقوم العلم الاعتبارىّ مقام الموضوعيّ، وبالتالي لايتمّ التقليد إلّا بنكتة لزوم لغويّة دليل جواز التقليد الدالّة بالاقتضاء على قيامه مقام الموضوعىّ، وبهذا يسقط مرّة اُخرى أهمّ أدلّة التقليد، وهو سيرة العقلاء؛ إذ لامعنىً لفرض دلالة الاقتضاء للسيرة العقلائيّة.