المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

170

الظاهرىّ لو اطّلعت على استنباطي. وهذه الفتوى ما لم تصل إلى العامّىّ لا أثر لها، وبمجرّد وصولها إليه يتمّ في حقّه موضوع الحكم الظاهرىّ؛ لتحقّق الفحص؛ إذ ليس عليه فحص أكثر من ذلك.

وهذا المسلك يتّحد مع مسلك التنزيل في الثمرة الثانية التي مضى بيانها: من عدم جواز الإفتاء للمجتهد، إلّا بإحراز جواز تقليده للعامّىّ؛ لأنّ ثبوت الحكم للعامّىّ على هذا المسلك ـ أيضاً ـ كان فرعاً لجواز التقليد.

ويمتاز هذا المسلك على مسلك التنزيل بلحاظ الثمرة الاُولى، وهي: سقوط أهمّ أدلّة التقليد، أعني سيرة العقلاء، فإنّ السيرة لاتسقط على هذا المسلك؛ لأنّنا لم نحتج في التقليد إلى مؤونة زائدة، كتنزيل حالة المجتهد منزلة ثبوتها للعامّىّ؛ كي يقال بعدم قيام السيرة عليها.

ويمتاز مسلك التنزيل على هذا المسلك بموافقة نتيجته لما هو المركوز في جميع الأذهان من اتّحاد المجتهد والعامّىّ ـ دائماً ـ في الحكم الذي يستنبطه، فإذا كانت حالات المجتهد منزّلة منزلة ثبوتها للعامّىّ في جميع الآثار والأحكام، إذن اتّحد العامّىّ والمجتهد في الحكم دائماً، في حين أنّه يكون علم المجتهد ـ بناءً على مسلكنا الذي أشرنا إليه ـ علماً اعتباريّاً للمقلّد، لاتنزيليّاً، فقد يقع الاختلاف في الحكم بينهما، وذلك فيما إذا وجد حكم يختصّ بالعلم الوجدانىّ دون الاعتبارىّ، فإنّ هذا الحكم يثبت في حقّ العامّىّ على مسلك التنزيل؛ لثبوت العلم الوجدانىّ له تنزيلاً، ولايثبت في حقّه على هذا المسلك.

مثال ذلك: أنّه لو بنينا على ما ذهب إليه بعض من التفصيل ـ في كون العلم الإجماليّ علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعيّة وعدمه ـ بين العلم الوجدانىّ والاعتبارىّ، بكون الأوّل كذلك دون الثاني، فالعلّيّة التامّة للتنجيز ثابتة للمجتهد لدى علمه الوجدانىّ بأحد حكمين إلزاميّين، وغيرُ ثابتة للعامّىّ؛ لأنّ علمه اعتبارىّ، وليس وجدانيّاً، فربّما تجب الموافقة القطعيّة على المجتهد دون العامّىّ. فهذا المسلك مخالف من حيث النتيجة لما هو المركوز في جميع الأذهان من اتّحاد المجتهد والعامّىّ ـ دائماً ـ في الحكم الذي يستنبطه(1).


(1) لايخفى أنّ هذه النتيجة المخالفة للارتكاز يوجد في مقدّماتها ـ أيضاً ـ ما هو خلاف الارتكاز، وهو فرض العلم الاعتبارىّ سبباً للتنجيز والتعذير؛ فإنّ العلم الاعتبارىّ ـ بالمعنى الذي يختلف جوهريّاً عن العلم التنزيلىّ ـ يكون تأثيره في التنجيز والتعذير غير معقول، كما سيبيّن ـ إن شاء الله ـ في المستقبل، وهو في نفس الوقت خلاف المرتكز العقلائيّ.

ولكن بالإمكان تبنّي نفس المسلك الأخير، وهو: (أنّ التقليد في كلّ مسألة ينقّح موضوع التقليد في المسألة التي بعدها) مع تبديل فرض تفسير حجّيّة فتوى المجتهد للمقلّد بمعنى كونها علماً اعتباريّاً له، بتفسيرها بمثل تنزيل فتواه للمقلّد منزلة العلم في الأثر، وبهذا تنتفي في المقام النتيجة المخالفة للارتكاز.