المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

169

باشتراك الحكم بين المجتهد والعامّيّ ابتداءً وبغضّ النظر عن جواز التقليد(1).

ولنا مسلك آخر متوسّط بين مسلك التنزيل ومسلك اشتراك الحكم ابتداءً، وبغضّ النظر عن دليل التقليد، وهو: أن يقال: إنّ الحكم الذي يفتي به المجتهد يتمّ بالنظر إلى دليل التقليد اشتراكه بين العامّىّ والمجتهد، وإن لم يكن مشتركاً بينهما بغضّ النظر عن دليل التقليد، فلاحاجة إلى فرض مؤونة زائدة، وهي التنزيل.

وبيان ذلك: أنّ التقليد في كلّ مسألة سابقة يثبت موضوع الحكم الظاهريّ في المسألة اللّاحقة، فيقلّد فيها، وهذا يشبه ما يقال في بحث الإخبار مع الواسطة وإن لم يكن مثله تماماً.

مثاله: أنّ المجتهد إذا علم بأحد حكمين، فوجب عليه الاحتياط، فعلمه بذلك ليس منزّلاً منزلة علم العامّىّ، ولكن فتواه بثبوت أحد الحكمين على سبيل الإجمال حجّة في حقّ العامّىّ، فيتحقّق له العلم بأحد الحكمين اعتباراً، فيجب عليه الاحتياط، فيفتيه المجتهد بوجوب الاحتياط.

وأيضاً: لو علم المجتهد بنجاسة الماء المتغيّر بملاقاة النجس، كان ذلك حجّة في حقّ العامّىّ، فقد تمّ له العلم اعتباراً بالنجاسة، فيثبت بشأنه الاستصحاب عند زوال التغيّر، فيفتيه المجتهد بعد زوال التغيّر بالنجاسة استصحاباً.

وأمّا بالنسبة إلى الفحص، ففحص المجتهد عن المعارض لما دلّ على وجوب صلاة الجمعة مثلاً ـ والذي أدّى إلى إفتائه بوجوب صلاة الجمعة؛ لعدم وجدانه للمعارض ـ يفيد العامّىّ، بأن يقال: إنّ فحص كلّ شخص بحسبه، ففحص المجتهد يكون بالتتبّع في كتب الأخبار، وفحص العامّىّ يكون باطّلاعه على إفتاء مجتهده بما كان من نتيجة فحص المجتهد، ففحص العامّىّ عن عدم المعارض عبارة عن فحصه عن إخبار المجتهد بعدم المعارض.

وقد ظهر بما ذكرناه: أنّ نفس وجود فتوى المجتهد في المسألة السابقة يكفي في صحّة فتواه في المسألة اللّاحقة بالنسبة إلى غير جهة الفحص.

وأمّا بالنسبة إلى الفحص، فلابدّ له أن يقصد في إفتائه للعامّىّ: أنّ هذا هو حكمك


(1) لايخفى أنّ الثمرة الثانية ليست من الثمرات المهمّة؛ إذ للمجتهد أن يفتي بفتواه، بأن يقول: هذا حكم الله في حقّي وحقّ من يجوز له تقليدي. وليس عليه تشخيص الصغرى.

نعم، قد يشكل الأمر من ناحية كون التصدّي للإفتاء مع عدم جواز تقليده إغراءً للناس بجواز تقليده وتضليلاً لهم. إلّا أنّ هذا ليس ثمرة لبحثنا؛ فإنّه يرد على كلّ المباني في المقام.