المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

167

ينطبق قانون الرجوع إلى أهل الخبرة على التقليد في أحكام الشريعة، هو أن يقال: صحيح أنّه كانت حجّيّة الدليل حكماً ظاهريّاً خاصّاً بالمجتهد بحسب الفرض، ولكنّ المحكىّ بالدليل هو حكم واقعىّ مشترك بين العامّيّ والمجتهد، وحجّيّة الدليل عبارة عن طريقيّته وجعله علماً تعبّداً، فالمجتهد بإمكانه أن يفتي بالحكم الواقعىّ الشامل للعامّيّ؛ لأنّه عالم به ولو تعبّداً، ولايفتي بالحكم الظاهرىّ كي يقال: إنّه مختصّ بالمجتهد، فلايكون التقليد فيه مصداقاً للرجوع إلى أهل الخبرة.

ولكن الملحوظ في ذلك:

أوّلاً: أنّ هذا لو تمّ، فهو يختصّ بمورد الأمارات الحاكية عن الواقع، دون مورد الاُصول العمليّة التي ليس مُفادها حكماً واقعيّاً، كي يتمّ فيه القول: إنّ مُفاد دليل حجّيّتها هو العلم التعبّديّ بالواقع وطريقيّتها إلى الواقع، فلايمكن للمجتهد أن يفتي في موردها بالحكم الواقعيّ؛ لعدم علمه به، ولابالحكم الظاهرىّ؛ لاختصاصه بالمجتهد بحسب الفرض.

وثانياً: أنّ هذا لو تمّ في الأمارات، فإنّما يتمّ على مبنىً واحد، وهو مبنى جعل الطريقيّة، كما ذهب إليه المحقّق النائينيّ(رحمه الله)، ولايتمّ على سائر المباني، كجعل الحكم المماثل وغيره، فعلى سائر المباني ـ غير جعل الطريقيّة ـ لايمكن للمجتهد الإفتاء بالحكم الواقعيّ؛ لعدم علمه به، ولا بالحكم المماثل أو غيره من الأحكام الظاهريّة؛ لأنّها تختصّ بالمجتهد.

وثالثاً: أنّ هذا لايتمّ حتّى في الأمارات على مبنى جعل الطريقيّة والعلم تعبّداً واعتباراً؛ وذلك لأنّ موضوع الرجوع إلى أهل الخبرة ليس مجرّد كون من يرجع إليه عالماً؛ ولذا أفتوا بعدم جواز التقليد ممّن حصل له العلم بالحكم عن طريق الرمل والأسطرلاب والنوم، ونحو ذلك، بل الموضوع هو خبرويّته، بأن يكون عالماً عن خبرة، والعلم الاعتبارىّ والجعلىّ لايحقّق خبرويّة بالنسبة إلى الإنسان، فلنفرض أنّ دليل جعله عالماً أصبح حاكماً على أدلّة حرمة الإفتاء بغير علم؛ لأنّه أخرجه بالتعبّد عن موضوع الحرمة، وهو عدم العلم، ولكنّ هذا غير كاف لحلّ مشكلة التقليد الذي هو عبارة عن الرجوع إلى أهل الخبرة، ودليل اعتباره عالماً إنّما دلّ على علمه بالاعتبار، ولم يدلّ على اعتباره علماً عن خبرة. وقد اتّضح بهذا العرض: أنّه ـ بعد تسليم اختصاص الحكم الظاهريّ بالمجتهد ـ