المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

563

يشتاق إلى مقدّمته أيضاً، ببرهان: أنّه يأتي بالمقدّمة، فإنّ إتيانه بالمقدّمة برهان إنّيّ على اشتياقه إليها، وحيث إنّنا لا نملك هذا البرهان الإنّيّ في الإرادات التشريعيّة، ولهذا اضطررنا إلى التمسّك بكبرى: أنّ ما يصدق في الإرادات التكوينيّة يصدق في الإرادات التشريعيّة، فكما أنّ الشوق التكوينيّ إلى شيء وإرادته يستلزم الشوق التكوينيّ إلى مقدّمته، كذلك الشوق التشريعيّ إلى شيء وإرادته يستلزم الشوق التشريعيّ إلى مقدّمته.

إلّا أنّ هذا البيان يمكن النقاش فيه ـ إن سلّمت الكبرى ـ بأنّ من يشكّك في الملازمة بين الشوق إلى ذي المقدّمة والشوق إلى المقدّمة في الإرادة التشريعيّة، ولا يحسّ بوجدانه بهذه الملازمة، يمكنه أن يشكّك في ذلك في الإرادة التكوينيّة أيضاً، ويُبدي احتمال كون انبعاث المريد التكوينيّ لشيء إلى مقدّمته ناشئاً راسأ من شوقه إلى ذي المقدّمة، لا من شوقه إلى المقدّمة.

البيان الثاني: أنّنا نرى: أنّ من يريد شيئاً بالإرادة التكوينيّة، يستلزم ذلك التصدّي لحفظ المقدّمة، فكذلك الحال في الإرادة التشريعيّة، إلّا أنّ حفظ المقدّمة في الإرادة التكوينيّة يكون من سنخها، أي: أنّه حفظ تكوينيّ، وحفظها في الإرادة التشريعيّة يكون من سنخها، أي: أنّه حفظ تشريعيّ، وذلك بأن يأمر العبد بالإتيان بها.

وهذا البيان لا يمكن دفعه بالنقاش في الصغرى؛ فإنّه من أوضح الواضحات أنّ من يريد شيئاً يأتي بمقدّمته، إلّا أنّه يمكن النقاش فيه ـ إن سلّمت الكبرى ـ بأنّه وإن سلّم: أنّ من يريد شيئاً بالإرادة التشريعيّة يحفظ مقدّمته تشريعاً، لكن لم يثبت بذلك أنّ طريقة حفظه للمقدّمة عبارة عن الأمر بها، بل لعلّه يحفظها بنفس الأمر بذي المقدّمة الذي يسبّب حكم العقل بوجوب الإتيان بالمقدّمة، فحكم العقل بضرورة الإتيان بالمقدّمة وليد لفعل المولى بما هو مولىً، وهو كاف في حفظ