المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

56

فبناءً على مسلك الوضع لا يمكن إثبات ذلك؛ إذ هذا الأمر ليس للوجوب بدليل عدم وجوب غسل الجمعة، فهو: إمّا مستعمل في الاستحباب، أو في الجامع بينهما، وعلى أيّ حال لا يدلّ على وجوب غسل الجنابة، ولا يمكن فرض كونه للوجوب في غسل الجنابة وللاستحباب في غسل الجمعة؛ إذ يكون هذا من قبيل استعمال اللفظ في معنيين، وهو غير صحيح عرفاً.

وأمّا على مسلك حكم العقل فالأمر مستعمل في الطلب، والوجوب حكم عقليّ معلّق على عدم ورود الترخيص، فإذا ورد الترخيص في أحدهما دون الآخر، ثبت ـ لا محالة ـ وجوب ما لم يرخّص في خلافه دون الآخر وإن كان كلاهما مأموراً به بأمر واحد، فبذلك يثبت وجوب غسل الجنابة، وكذلك الحال على مسلك الإطلاق، فإنّ الأمر ينحلّ إلى حصّتين تقيّد إطلاق إحدى الحصّتين بدليل خاصّ، وهذا لا يوجب تقييد الحصّة الاُخرى، وهذا ليس من قبيل استعمال اللفظ في معنيين، وإنّما هو من باب التقييد في بعض الحصص والإطلاق في بعضها، والتقييد ضرورة، والضرورات تتقدّر بقدرها(1)، من قبيل ما لو قال: «أكرم العالم»، وعرفنا أنّ الفقيه لا يُكرَم إلّا إذا كان عادلاً، ولكن في غير الفقيه لم نعلم بذلك، فنبني على الإطلاق.

ومنها: أنّه لو ورد أمر بطبيعيّ فعل، من قبيل ما إذا ورد: «أكرم العالم»، وعلمنا من الخارج بأنّ إكرام العالم غير الفقيه لا يجب، فهل يمكن إثبات استحبابه على الأقلّ، أو لا؟

فعلى مسلك الوضع لا يثبت ذلك؛ إذ قوله: «أكرم» ظاهر في الوجوب، ومستعمل في الوجوب بمقتضى أصالة الحقيقة، وموضوعه العالم، وعلمنا عدموجوب إكرام غير الفقيه، فمقتضى القاعدة هو التخصيص؛ لأنّ هذا الدليل لسانه الوجوب، ولا وجوب لغير الفقيه، فلا يبقى دليل على الاستحباب أيضاً.



(1) إن وافقنا على الدلالة السياقيّة في الفرع السابق، فروح الدلالة السياقيّة موجودة هنا بشكل أشدّ.