المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

482

المكلّف بتمام نظره نحو الأمر الغيريّ، وقصد التوصّل غافلا عن أمر نفسيّ استحبابيّ متعلّق بالوضوء، يقع الوضوء باطلا، مع أنّ الضرورة قاضية بأنّ الوضوء يصحّ من المتشرّع حتّى لو كان غافلا عن الاستحباب النفسيّ.

وقد حاول صاحب الكفاية الجواب على هذا الاعتراض بتصوير الداعي، على الداعي، بدعوى: أنّ من توضّأ بداعي الأمر الغيريّ وداعي التوصّل إلى الصلاة، فهو قاصد للإتيان بمتعلّق الأمر الغيريّ، ومتعلّق الأمر الغيريّ هو الإتيان بالفعل على الوجه العباديّ، وهو إنّما يكون عباديّاً بقصد الأمر النفسيّ، إذن فهو قاصد لبّاً وإجمالا الأمر النفسيّ، فيكون عنده داعيان طوليّان، أحدهما الأمر الغيريّ، وهو يبعث نحو داعويّة الداعي الآخر، وهو الأمر النفسيّ.

ومن الواضح: أنّ هذا الجواب لا محصّل له؛ لأنّ تعدّد الداعي بنحو يكون أحدهما مولّداً للآخر وإن كان معقولا، ولكنّه إنّما يكون معقولا مع الالتفات إلى الداعي الطوليّ الثاني؛ إذ الانبعاث عن جهة وغاية يتوقّف على الالتفات إلى تلك الجهة، فالأمر الغيريّ إنّما يبعث إلى داعويّة الأمر النفسيّ لمن يكون ملتفتاً إلى كلّ منهما في مرتبته، وإلّا فالداعي الأوّل يكون عاجزاً عن إيجاد الداعي الثاني؛ إذ فرض داعويّة الداعي الثاني فرض محرّكيّته له، وفرض محرّكيّته له هو فرض التفاته إليه، وإلّا فكيف يحرّكه؟!

وثانيهما: أنّه قد ينطبق عنوان استحبابيّ راجح على ترك الوضوء، بحيث لولا وجوب الصلاة لكان فعل الوضوء وتركه سيّان، كما لو كان مؤمن تستحبّ إطاعته يحبّ ترك هذا الوضوء ويتأذّى منه حرصاً على وجود هذا الماء لغرض أهمّ، فالترك يشتمل على قضاء حاجة المؤمن، فالاستحباب النفسيّ للوضوء مزاحم باستحباب نقيضه على حدّ استحباب الفعل، فيكون الاستحبابان اقتضائيّين، وإذا صار الفعل والترك عند المولى على حدّ سواء لتزاحم الملاكين، لا يعقل التقرّب به