المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

479

والجواب: أنّه صحيح: أنّ الأمر الغيريّ الغرض منه هو التوصّل إلى الواجب النفسيّ، وذلك يتحقّق بمجرّد الإتيان بالمقدّمة، لكن نفترض: أنّ عباديّة الوضوء دخيلة في وقوعه مقدّمة، أي: أنّ الصلاة تتوقّف على الوضوء العباديّ، ولكن الكون على السطح لم يكن متوقّفاً على نصب السلم عباديّاً.

وكون العباديّة دخيلة في مقدّميّة المقدّمة له بيانان:

البيان الأوّل: هو البيان الواضح والعرفيّ الذي يتبادر إلى الذهن، وهو كون العباديّة بنفسها ممّا تتوقّف عليه الصلاة، فالصلاة تتوقّف على مجموع العمل الخارجيّ وكون الإتيان به عباديّاً.

والبيان الثاني: بيان ملتو نقله في الكفاية عن تقريرات الشيخ الأعظم (رحمه الله)، حيث افترض: أنّ العباديّة بعنوانها ليست دخيلة في المقدّمة كما كنّا نفترض في البيان الواضح، وإنّما النكتة في الحاجة إلى قصد القربة أنّه مقدّمة للمقدّمة، بتقريب: أنّ المقدّمة ـ في الحقيقة ـ ليست هي الوضوء بما هو غسل ومسح، بل هي الوضوء المعنون بعنوان لاهوتيّ لا نعرفه، وهو عنوان قصديّ، من قبيل عنوان التعظيم الذي لا ينطبق على مصداقه إلّا إذا قصد ذلك العنوان، واُشير إليه في عالم النفس(1)، وحيث إنّ ذلك العنوان لا نعرفه حتّى نقصده، إذن نقصده بالمعرّف والمشير، وهو الأمر، فنأتي بذلك الوضوء بالعنوان الذي تعلّق به الأمر، فلو لم يأتِ به بقصد الامتثال، فهو لم يقصد ذلك العنوان، لا تفصيلا ولا إجمالا(2).

وهذا البيان من كيفيّة عمل الاُصوليّين في تبعيد المسافات للوصول إلى النتائج، فيعدل عن ذلك البيان الأوّل العرفيّ الواضح إلى هذا البيان، على أنّ هذا



(1) مع فارق بين ما نحن فيه والتعظيم، وهو: أنّ التعظيم لا يتحقّق إلّا بقصد عنوانه، والمفروض في المقام أن يكفي قصد العنوان إجمالا.

(2) راجع الكفاية، الطبعة المشتملة في الحواشي على تعليقات المشكينيّ، ص 178.