المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

478

إشكال الطهارات الثلاث

الجهة الرابعة: في إشكال الطهارات الثلاث، حيث يقال: إنّها واجبات غيريّة، مع أنّها لا تتمتّع بصفات الواجبات الغيريّة.

والإشكال يمكن أن يقرّب بتقريبات:

التقريب الأوّل: أنّه لو توضّأ لا على وجه التقرّب، لم يخرج عن عهدة المقدّميّة، وبطل وضوؤه، فيقال: إنّ التقرّب غير مقدور للمكلّف؛ لأنّ الأمر المقدّميّ لا يمكن أن يكون امتثاله مقرّباً وموجباً لاستحقاق الثواب، ولا تركه مبعّداً وموجباً لاستحقاق العقاب، فكيف يتأتّى له الوضوء القربيّ مع أنّ التقرّب يتوقّف على تعلّق أمر بالفعل صالح للمقرّبيّة نحو المولى، والأمر بالوضوء ليس كذلك، فالإتيان به على وجه عباديّ غير مقدور له.

هذه هي الصياغة الساذجة للإشكال.

ويكفي في مقام الجواب عليه أن يقال: إنّ التقرّب بالوضوء من ناحية الأمر الغيريّ وإن كان غير ممكن، لكن التقرّب به من ناحية الأمر النفسيّ بذي المقدّمة أمر ممكن، وهو الذي نسمّيه بقصد التوصّل باعتبار أنّ الأمر بذي المقدّمة يحرّك نحو سدّ تمام أبواب عدمه، ومنها عدمه بعدم الوضوء، فالمقدّمة بهذا القصد محسوبة على المولى، وتدخل في حصول الغرض.

التقريب الثاني: كأنّه تعميق للتقريب الأوّل، فيسلّم: أنّ الإتيان بالوضوء قربيّاً ممكن، ولكن يقال: إنّ الأمر الغيريّ لا يمكن أن يكون سقوطه متوقّفاً على قصد القربة، فإنّ الغرض من الأمر الغيريّ إنّما هو التوصّل إلى الواجب لا التعبّد، وذلك يتحقّق بمجرّد الإتيان بذات المقدّمة، كما أنّ الكون على السطح يتوقّف على نصب السلّم، فنصب السلّم يكفي للتوصّل إلى المطلوب بلا حاجة إلى قصد القربة.