المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

44



والالتفات إلى ما قلناه لو لم ينفعنا في ارتقائنا السلوكيّ إلى الله سبحانه وتعالى في مرقاة هذه الكمالات، فلا أقلّ من أن يكون نفعه لنا عبارة عن الاعتصام في مقابل صفة العُجب؛ لأنّنا ما لم نصل إلى المرحلة الثالثة، وهي داعويّة نفس الطاعة ورضوان الله دون الالتذاذ بهما، أو على الأقلّ الثانية، وهي الدافع المزدوج، فنحن ـ في الحقيقة ـ قد عبدنا لذّتنا وعشقنا ذاتنا، فأيّ استحقاق لنا للثواب؟! وأيّة عبوديّة تكون هذه العبوديّة؟!

وأنا لا أقصد بنفي استحقاق الثواب نفيه من باب: أنّنا مملوكون ملكيّة حقيقيّة لله، فلا نستحقّ شيئاً منه تعالى في قبال طاعتنا إيّاه، ولا نفيه من باب: أنّ الاستحقاق إنّما يكون لمن أعطى من نفسه شيئاً لغيره، ونحن كلّ ما أعطيناه لله سبحانه كان من الله لا من أنفسنا كي نستحقّ شيئاً بالمقابل، فإنّ أمثال هذه الاُمور لاتختصّ بنا، بل تشمل حتّى المعصومين(عليهم السلام).

بل أقول بغضّ النظر عن هذه النكتة: إنّنا غير مستحقّين للثواب بعقليّة مكافأة الإحسان، لأنّنا ـ في الحقيقة ـ لم نعمل له، بل عملنا لأنفسنا، فلا مكافأة على أعمالنا إلّا بفضل الله ورحمته ورأفته.

نعم، تصحّ في العرف الفقهيّ عباداتنا؛ لأنّها تشتمل على القربة بالمعنى المقصود في الفقه، حيث قرّروا فيه كفاية الداعي إلى الداعي القربيّ، وهذا موجود في المقام؛ لأ نّا نعمل بداعي الامتثال والطاعة وإن كان الداعي لنا إلى هذا الامتثال والطاعة ثوابه، أو الفرار من عقابه، أو الالتذاذ بطاعته، إلّا أنّ هذا ـ كما ترى ـ حيلة شرعيّة علّمتنا نفس الشريعة إيّاها وقبلها الله منّا بقبول حسن بلطفه وكرمه، وإلّا لهلكنا جميعاً، إلّا أنّ هذا لا يعني: أنّ الاستحقاق إذن أصبح واقعيّاً (بعد غضّ النظر عن المملوكيّة وعدم الواجديّة الذاتيّة)، فغير الواصل إلى ابتغاء رضا الله لأنّه رضاه لا لنعيم الجنّة، ولا للفرار عن الحجيم إن كان مطيعاً