المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

38



أمّا لو كان الملحوظ هي العلّة الغائيّة، فإنّنا نستطيع توضيح بطلان ذلك بإلفات النظر إلى مقدّمتين:

الاُولى: أنّ اللذّة والألم غير الحبّ والبغض كما هو واضح، فإنّ الحبّ والبغض يتحقّقان قبل تحقّق المحبوب والمبغوض، واللذّة والألم يتحقّقان بتحقّقهما ولو في علم الشخص، أي: بالوجود العلميّ والذهنيّ لتحقّقهما، سواءٌ طابق الواقع أو لا، فهما ليسا وليدي الحبّ والبغض، بل هما وليدا العواطف المرافقة للحبّ والبغض، لا وليدا نفس الحبّ والبغض؛ ولذا قد ترى نادراً التفكيك بينهما كمن ينتزع قرطي بنت الحسين(عليه السلام)ويبكي، فهذا لديه عاطفة أوجبت ألمه وبكاءه، لكنّه كان انتزاع القرط لديه بعد التكاسر بين مجموع المصالح والمفاسد في نظره محبوباً، فالعاطفة التي أوجبت بكاءه انفصل مسيرها صدفة عن مسير الحبّ الذي تعلّق بعد تكاسر المصالح والمفاسد بالفعل.

والثانية: أنّ كون الشيء غاية للإنسان عبارة اُخرى عن مطلوبيّته له ومحبوبيّته، وتعلّق شوقه المؤكّد به، إذن فالعلّة الغائيّة ليست هي تحقّق اللذّة واندفاع الألم، بل هي متعلّق الحبّ الذي هو أقدم من اللذّة، أو نقيض متعلّق البغض الذي هو أقدم من الألم.

ويشهد لما قلناه أنّنا نحسّ في وجداننا وضميرنا بأنّ من أحسن إلى شخص استحقّ شكراً من قبل ذاك الشخص أكثر ممّا قد يشكر الإنسان شخصاً أحبّ أن يُحسن إليه فعجز عن ذلك، فهذا الشكر إن كان في مقابل اتّصاف هذا الشخص بصفة الفضيلة وهي حبّه للإحسان إلى الضعيف مثلاً، فهما سيّان في هذا الاتّصاف، وإنّما ترك من ترك منهما الإحسان إلى هذا الشخص بسبب العجز، فيبقى الفارق بين الشكرين بلا مقابل، إذن فهذه الزيادة تكون في مقابل فعل الإنسان، ولو كانت الغاية له من هذا الفعل التذاذ نفسه دون ارتياح الشخص الضعيف، لما استحقّ هذه الزيادة من الشكر.