المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

37



الفرض ـ تنشأ من نفس المنشأ الذي تنشأ منه الرذائل وشتّى ألوان الظلم والخيانات والإجرامات، وهو حبّ الذات واللذّة، وكُره الألم (صحيح: أنّه لا يقاس بين من يلتذّ بالفضائل ومن يلتذّ بالرذائل، ولا بين اتّصاف الشخص بهذه أو بتلك، أو بين إتيانه بهذه لداعي الالتذاذ بها أو بتلك لداعي الالتذاذ بها) ولكن مع ذلك نرى ـ على أيّ حال ـ أنّ هذا إسقاط للقيم العالية والمُثُل العليا التي تصدر بروح الفداء والتضحية والنُبل والشهامة عن درجة كنّا نفترضها ونتصوّرها؛ إذ تبيّن: أنّها ـ على أيّة حال ـ تنشأ من دافع حبّ الذات والأنا والالتذاذ.

فأجاب ـ رضوان الله عليه ـ على ذلك بأنّ مقصودنا ممّا قلناه: من أنّ اللذّة والألم هما اللذان يدفعان الإنسان النبيل إلى النبل والفضيلة كما يدفعان الإنسان اللئيم إلى اللؤم والرذيلة ليس هو كون تلك اللذّة أو اندفاع الألم هما العلّتين الغائيّتين للفعل، وإنّما قصدنا كونهما العلّتين الفاعليّتين، فالذي يضحّي في سبيل مَثَل، أو مبدأ، أو في سبيل محبوب له كولد له، أو صديق، أو الله سبحانه وتعالى، فهو لا يفعل ما يفعل لغاية التذاذه هو، أو ارتياحه من الألم النفسيّ، بل يفعل ذلك لأجل ذاك المثل أو المبدأ أو المحبوب؛ لأنّه يعشق ذلك، ولكن هذا العشق أو الحبّ قد جعل في الفعل لذّة أو في الترك ألماً، والإنسان خُلق بنحو لولا هذه اللذّة أو ذاك الألم، لما اندفع نحو ما يندفع، فهذه اللذّة أو ذاك الألم هو الذي يؤثّر فاعليّاً في اندفاعه نحو محبوبه أو في فراره عن مبغوضه، إذن ففرقٌ بين الغاية التي يندفع باتّجاهها وهي ما يحبّه ويريده، وبين الدافع الذي يدفعه بذاك الاتّجاه دفعاً فاعليّاً، وهو اللذّة الكامنة في الفعل، والقيمة الخُلقيّة تنشأ من شرافة الغاية وسموّ الهدف.

أقول: إنّ حصر العلّة في اللذّة والألم غير صحيح، سواء كان الملحوظ هي العلّة الغائيّة أو العلّة الفاعليّة: