المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

36



وهذا هو الاُسلوب المعقول القابل للتطبيق، فإذا أصبح المجتمع لا يعرف إلّا رضا الله سبحانه وتعالى والذي يكون كفيلاً له بكلتا اللذّتين، وجامعاً له المصلحتين، تنتهي كلّ ألوان الظلم والتعسّف والويلات والدركات، ويسود العالم العدل والرفاه والخيرات والبركات.

أقول: قد تقول: لم يبقَ إذن فرق في القيمة المعنويّة والخلقيّة بين عمل الظالم الجائر الخسيس اللئيم، وعمل الإنسان الشهم النبيل الشريف ما داما جميعاً يتحرّكان من وراء اللذّة وحبّ الذات.

ولكن الجواب إلى هذا الحدّ واضح، فإنّ الفرق في القيمة بينهما يبقى في أنّ الرذل والخسيس هو الذي يلتذّ بالرذائل والخسائس والسفاسف، والشريف وطيّب النفس هو الذي يلتذّ بالفضائل والحسنات وصفات الإيثار والنُبل، والفرق بين العملين أو الوصفين أو الشخصين يبقى كالفرق بين الأرض والسماء، فهما شريكان في أصل الالتذاذ واندفاع كلّ منهما وراء ما يلتذّ به، ولكنّهما يختلفان اختلافاً عظيماً يصعب تصوّر مداه فيما يلتذان به ويقصدانه، وأقصى ما يمكن أن يتوقّع من المجتمع العامّ في الاهتمام بتحصيل رضا الله هو الوصول إلى هذا المستوى الذي لو كان هناك أمل في وصول الجميع، أو الأكثريّة القاطعة إليه، فإنّما هو بلحاظ زمان حضور المعصوم وعمله المباشر في تربية البشريّة.

ولكن هذا كلّه لا يمنع عن بيان: أنّ الخاصّة من العارفين بالله يكون طريق التعالي لهم مفتوحاً بما هو أكثر من ذلك.

ولتوضيح ذلك نبدأ بالحوار الذي جرى بيني وبين اُستاذي الشهيد ـ رضوان الله عليه ـ حول ما مضى نقله عن مقدّمة فلسفتنا، حيث قلت له (رحمه الله): إنّ هذا البيان يقلّل من قيمة البطولات الإسلاميّة والتضحيات، والالتزام بالمُثُل وبالفضائل؛ وذلك لأنّها ـ حسب