المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

210

هذا تمام الكلام في الاعتراض الأوّل على التمسّك بالإطلاق لإثبات التوصّليّة على مسلك صاحب الكفاية والمشهور: من أنّ الفرق بين الواجب التعبّديّ والتوصّليّ إنّما هو في الغرض من دون أيّ فرق في الجعل والمتعلّق، وقد تحصّل أنّه غير وارد.

الاعتراض الثاني: مبنيّ على عكس ما قرّر في الاعتراض الأوّل من استحالة الإطلاق ثبوتاً، فهنا يقال بضرورة الإطلاق ثبوتاً؛ لأنّ الأمر في مقام الجعل والثبوت يدور بين ثلاثة اُمور: التقييد، والأهمال، والإطلاق. فالتقييد مستحيل لمامرّ، وكذلك الإهمال مثلا، فلابدّ من الإطلاق. وإذا كان الإطلاق ضروريّاً لم نكن بحاجة إلى مقدّمات الحكمة لإثباته، ولكن هذا الإطلاق الثبوتيّ الثابت بالبرهان لا ينفع لنفي التعبّديّة وإثبات التوصّليّة؛ لأنّ التعبّديّ والتوصّليّ يمتازان ـ بحسب المسلك المفروض فعلا، وهو مسلك المشهور ـ بحسب الغرض، لا بحسب عالم الجعل، وكلا الجعلين متعلّقان بذات الفعل، إلّا أنّ الغرض في التعبّديّ لا يحصل إلّا بقصد القربة، وفي التوصّلي يحصل بدونه، فإذا أردنا إثبات التوصّليّة فلابدّ من إثبات الإطلاق في الغرض.



ليس كذلك، وحينئذ نقول: إنّ عدم قابليّة الأمر لتقييد متعلّقه بقصد الأمر أشبه على بعض الوجوه والفروض بعدم قابليّة الإنسان الأعمى للبصر دون عدم قابليّة الجدار للبصر؛ فإنّ جلّ براهين الاستحالة تتدخّل فيها مسألة عدم جواز الأمر بغير المقدور، أو عدم معقوليّة الأمر بدون المحرّكيّة، فيجب أن نرى مثلا: أنّ حقيقة الأمر هل هي التحريك حتّى يصبح التقييد بما لا يمكن التحريك نحوه شبيها بالبصر بالنسبة للجدار، أو أنّ حقيقة الأمر ليست إلّا عبارة عن اعتبار ممكن في ذاته، إلّا أنّه يفهم منه التحريك، فلا يصدر من العاقل الملتفت (إذا حمل أمره على ظاهره) إلّا مع إمكانيّة التحريك حتّى يصبح التقييد بذلك شبيهاً بالبصر بالنسبة للأعمى.