المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

149

وعلى أيّ حال، فسواء قيل بالسبق الوجوديّ أو بالسبق الطبعيّ فالمتعلّق أسبق ـ على أيّ حال ـ من الأمر، فلزم كونه متأخّراً ومتقدّماً، وهذا محال.

وهذا الإشكال بهذا البيان واضح الاندفاع؛ إذ يكفي في دفعه قبل أن نتعرّق أكثر فأكثر في البحث أن يقال: إنّ المتأخّر غير المتقدّم؛ فإنّ قصد امتثال الأمر يتوقّف بوجوده الخارجيّ على الأمر، والأمر يتوقّف على الوجود الذهنيّ لقصد امتثال الأمر في اُفق ذهن الحاكم، فلا يمكن تتميم الاستحالة بمثل هذا البيان.

الثاني: أن يقال: إنّ قصد امتثال الأمر إذا اُخذ في متعلّق الأمر، لزم الدور؛ إذ كلّ أمر مشروط بالقدرة على متعلّقه، فهو متأخّر عن القدرة على متعلّقه تأخّر المشروط عن شرطه؛ لاستحالة التكليف بغير المقدور، فلو فرض: أنّه اُخذ في متعلّقه، كان الأمر بالصلاة مثلاً المقيّدة بقصد الامتثال مشروطاً بالقدرة على الصلاة بقصد الامتثال، والمكلّف لا يقدر على ذلك إلّا بعد الأمر، فهذه القدرة متوقّفة على الأمر؛ لأنّها تنشأ منه، فقد توقّف كلّ منهما على الآخر، فلزم الدور.

وهذا البيان قد يكون أحسن من السابق، ولكن مع ذلك لا يرجع إلى محصّل؛ وذلك لأنّنا نسلّم الآن قبل أن نتعرّق أكثر فأكثر أنّ القدرة على قصد امتثال الأمر متوقّفة على الأمر، لكن لا نسلّم أنّ الأمر يتوقّف على القدرة؛ فإنّ دليل اشتراط القدرة هو العقل الحاكم باستحالة التكليف بغير المقدور، والعقل لا يحكم بذلك إذا كان نفس التكليف والأمر موجداً للقدرة، فلو فرض: أنّ أمر المولى للمشلول يوجد تكويناً استيناسه بحيث يبرأ من الشلل، فلا بأس بأن يقول له: «قم»، ولا يكون الأمر أمراً إحراجيّاً للعبد، فالميزان في اشتراط التكليف بالقدرة إنّما هو عدم الإحراجيّة من قبل الأمر، ويكفي في عدم الإحراج نشوء القدرة من الأمر، وبهذا يرتفع الدور؛ لأنّ القدرة متأخّرة عن الأمر تأخّر المعلول عن علّته مثلاً، لكن الأمر ليس متأخّراً عن القدرة تأخّر المشروط عن شرطه، وإنّما هو متأخّر عن