المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

134

3 ـ احتمال كون فعل الغير معذِّراً لحصول الغرض وموجباً لامتناعه، فيسقط الخطاب للعجز عن تحصيل الغرض، وعندئذ قد يتصوّر أنّ هذا مجرىً للاشتغال؛ إذ مع فرض العلم بعدم حصول الملاك بفعل الغير، واحتمال كون فعل الغير معجّزاً عن تحصيله، واحتمال عدم كونه معجّزاً عنه يُدخل ذلك في باب الشكّ في القدرة، وهو مجرىً للاشتغال، إلّا أنّ الصحيح هنا أيضاً جريان البراءة، إلّا في فرض غير موجود في الفقه.

وتوضيح ذلك: أنّه على تقدير كون فعل الغير مفوّتاً للغرض، فهذا تفويت مأذون فيه من قبل المولى فعليّاً، ببرهان: أنّ المولى لم يوجب الإسراع في العمل قبل أن يأتي به الغير، فهو الذي جوّز له التأجيل وإن عُلم بأنّه سوف يأتي به الغير، إذن فحينما أتى به الغير يشكّ هذا العبد: أنّه لو ترك الفعل، فهل يكون هذا تفويتاً للملاك غير مأذون فيه، أو لا يكون هذا تفويتاً للملاك؛ وذلك لعدم فوت الملاك بفعل الغير، أو لم يصدر منه إلّا تفويت ماذون فيه؛ لأنّه قد فات الملاك بتأخيره إلى أن فعل الغير، وكان تأخيره مأذوناً فيه، فهذا شكّ في أصل الإذن والمنع وهو مورد للبراءة(1).

نعم، لو فرضنا الالتزام فقهيّاً بأنّه على تقدير مفوّتيّة فعل الغير يجب عليه البدار وهو فرض غير موجود في الفقه، جرت أصالة الاشتغال؛ إذ هو يعلم بعدم رضا المولى بتفويت الغرض، ويشكّ في قدرته الآن على تحصيل الغرض.

وقد تحصّل بهذا البيان: أنّه في الموارد المتعارفة في الفقه دائماً تجري البراءة لولا استصحاب الوجوب، ولا مجال لما ذكروه من أصالة الاشتغال.



(1) لا يخفى: أنّ هذا أيضاً مرجعه إلى كفاية الفرد المتأخّر؛ لأنّ الأمر الوجوبيّ بشيء ما لأجل الملاك المأذون في تفويته لا معنىً له، إذن فما دام الملاك على تقدير فعل الغير ولو متأخّراً جائز التفويت فأصل الأمر بذي الملاك مقيّد بعدم فعل الغير ولو متأخّراً، فالمورد هو مورد البراءة حتّى بناءً على قبول الاستصحاب في الشبهات الحكميّة؛ لأنّ الشكّ بعد فعل الغير في الوجوب أصبح شكّاً سارياً.